أوكرانيا ضحية الحرب بالوكالة بين الغرب وروسيا

- ‎فيمقالات

مثلما هو الحال بالنسبة لليمن الذي يدفع منذ سنوات ثمن الحرب بالوكالة بين السعودية وإيران، وتستفيد الدول الكبرى منها ببيعها المزيد من الأسلحة والأنظمة الدفاعية للدول الخليجية، مقابل المساندة المادية والسياسية الروسية للحوثيين، يتكرر المشهد بين دول الغرب وبين روسيا على حساب اقتصاد وأمن واستقرار أوكرانيا، حين سعت روسيا لمنع انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي حتى لا تتواجد قوات وصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى على حدودها الغربية، مثلما رفضت الولايات المتحدة في مطلع الستينات من القرن الماضي وجود صواريخ سوفييتية على أراضي كوبا في فنائها الجنوبي.

وبينما قامت روسيا بحشد عشرات الآلاف من جنودها على حدود أوكرانيا، للضغط على دول الغرب لتحقيق مطالبها في منع دخول أوكرانيا ومن بعدها جورجيا لحلف الناتو، ومنع تواجد قوات الحلف وصواريخها في الدول التي دخلت الحلف بعد عام 1997 وتقترب من حدودها، راحت الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا تهدد روسيا بعقوبات شديدة إذا أقدمت على غزو أوكرانيا، بعد أن سحبت بعض الدول مثل الولايات المتحدة وإنجلترا وكندا، عائلات دبلوماسييها من العاصمة الأوكرانية. وبينما أعلنت روسيا أنها لا تنوي غزو أوكرانيا، لم تستجب دول الغرب لمطالبها.

 

واستنادا إلى علاقاتها الخارجية بالعديد من الدول المناوئة للولايات المتحدة مثل الصين وإيران وفنزويلا وكوريا الشمالية وسوريا، واستشعارها بعدم تدخل الولايات المتحدة المشغولة بقضايا داخلية، وجعلها خلافها مع الصين ذو أولوية، وانسحابها المهين مؤخرا من أفغانستان..

وفي ظل تحمّلها العقوبات الغربية التي تلت احتلالها لمنطقة القرم عام 2014، ووجود احتياطي من العملات الأجنبية لديها يصل إلى 643 مليار دولار، مما يساعدها عل تحمل العقوبات الغربية المتوقعة لغزو أوكرانيا، وتأكدها من حاجة أوروبا لنفطها وغازها الطبيعي، والذي يصل دول أوروبا عبر خطوط أنابيب مما يجعله أرخص من النفط المُحمل على ناقلات، أو من الغاز المسال المنقول عبر الناقلات ويحتاج لعملية تغييز إضافية، علاوة على عدم تمكن الدول المصدرة للغاز الطبيعى من سد الفجوة التي يمكن أن تنتج عن مقاطعة الغاز الروسي بشكل عاجل، بسبب كبر حجم تلك الصادرات الغازية الروسية لأوروبا، وتأكد روسيا من عدم وحدة الموقف الأوروبي تجاهها في حالة الغزو لأوكرانيا، وهو ما أكده انتقاد بولندا للموقف الألمانى من روسيا. وتكاد تكون روسيا قد حيدت موقف المجر نظير طاقة لها بسعر أرخص، والعلاقات الاقتصادية الكبيرة التي تربطها بعدد من تلك الدول الأوروبية، خاصة ألمانيا التي جاءت في المركز الثاني لأبرز الشركاء التجاريين لروسيا في عام 2019، وإيطاليا في المركز السادس وفرنسا في المركز السابع، وتركيا (التي تعتمد بشكل كبير على الطاقة الواردة من روسيا) في المركز الخامس، وعلاوة على اتفاقياتها التجارية الضخمة مع كل من الصين والهند مؤخرا..

لهذا ولغيره من العوامل السياسية ومحاولة إستعادة المكانة السوفييتية التاريخية، وتأمين الحدود الغربية، كان الغزو الروسي لأوكرانيا التي وجدت نفسها وحيدة تحارب دولة كبرى وحدها، مع إعلان حلف الناتو أنه لن يرسل قوات للمساعدة في صد الهجوم الروسي، ونفس الإعلان صدر من جانب الرئيس الأمريكي.

ووجدت أوكرانيا نفسها في مأزق كبير مع الفارق الضخم بين قدرات الدولتين المتحاربتين، فعدد سكان روسيا 147 مليون نسمه مقابل 45 مليون لأوكرانيا، ومساحة روسيا 17 مليون كيلومتر مربع (المركز الأول بين دول العالم)، مقابل 604 آلاف كيلومتر لأوكرانيا. وعدد الجنود الروس 2.9 مليون جندي، منهم 900 ألف بالخدمة الفعلية ومليونان في الاحتياط، مقابل 1.1 مليون عسكري أوكراني، منهم مائتي ألف في الخدمة و900 ألف في الاحتياط.

ويبلغ عدد الطائرات الهجومية الروسية 1511 طائرة مقابل 98 في أوكرانيا، مع وجود 544 مروحية هجومية في روسيا مقابل 34 في أوكرانيا، ووجود أكثر من 12 ألف دبابة روسية مقابل 2596 دبابة في أوكرانيا، ووجود أكثر من 30 ألف عربة مدرعة روسية مقابل 12 ألفا في أوكرانيا، ووجود 7571 قطعة مدفعية روسية مقابل 2040 أوكرانية.

الناتج الروسي عشرة أضعاف الأوكراني

ومن الناحية الاقتصادية، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لروسيا عام 2020 نحو 1.483 تريليون دولار (المركز الحادي عشر دوليا)، مقابل 155.6 مليار دولار لناتج أوكرانيا (المركز الرابع والخمسين دوليا).

ويبلغ نصيب الفرد من الدخل القومي في روسيا عشرة آلاف و690 دولارا، مقابل 3540 دولارا في أوكرانيا.

وبينما يشهد الميزان التجاري السلعي الروسي فائضا دائما وكبيرا، يشهد الميزان التجاري السلعي الأوكراني عجزا شبه دائم، ورغم وجود عجز دائم في الميزان التجاري الخدمي الروسي مقابل فائض دائم في الميزان الخدمي الأوكراني، إلا أن كبر الفائض التجاري السلعي الروسي يستوعب العجز الخدمي فيها، والنتيجة وجود فائض دائم في ميزان المعاملات الجارية الروسي، مقابل عجز شبه مستمر بنفس الميزان لدى أوكرانيا.

وحسب بيانات عام 2020 فقد بلغت قيمة الصادرات السلعية الروسية 332 مليار دولار (المركز السادس عشر دوليا)، مقابل 49 مليار دولار في أوكرانيا (المركز الثامن والأربعين دوليا)، ومع كبر الواردات السلعية الروسية بالمقارنة لأوكرانيا، فقد بلغ حجم التجارة السلعية الروسية 572 مليار دولار (المركز الثامن عشر دوليا)، مقابل 103 مليارات دولار لتجارة أوكرانيا.

ونفس الفارق في التجارة التجارة الخدمية التي بلغت 110 مليارات دولار في روسيا مقابل 25 مليار أوكرانيا. وتكرر الفارق في قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر سواء الوارد أو الخارج بين الدولتين، مما ترتب عليه بلوغ قيمة الاحتياطيات من العملات الأجنبية 643 مليار دولار خلال خلال النصف الثاني من الشهر الحالي، مقابل أقل من 32 مليار دولار في أوكرانيا بنهاية الربع الثالث من العام الماضي.

وكانت تلك الاحتياطيات الروسية أكبر من الدين الخارجي لها والبالغ 478 مليار دولار بنهاية العام الماضي، بينما كان الدين الخارجي الأوكراني البالغ 125 مليار دولار بنهاية أيلول/ سبتمبر الماضي أكبر من الاحتياطيات بها.

فائض تجاري روسي مع أوكرانيا

ورغم استفادة روسيا من علاقتها الإقتصادية مع أوكرانيا إلا أن ذلك لم يحل دون غزوها لوجود مصالح قومية أعلى، حيث تشير البيانات الروسية لعام 2020 لبلوغ قيمة الصادرات الروسية الى أوكرانيا 6.3 مليار دولار، مقابل واردات منها بقيمة 3.69 مليار دولار، لتحقق فائضا تجاريا معها بلغ 2.6 مليار دولار.

كما أشارت بيانات السياحة الروسية لعام 2019 لوصول 7.76 مليون سائح أوكراني إليها خلال العام الماضي، مقابل خروج 2.5 مليون سائح روسي إلى أوكرانيا، وهو ما أكدته بيانات السياحة الأوكرانية لعام 2017 والتي أشارت لخروج 4.4 مليون سائح أوكراني الى روسيا خلال العام، مقابل وصول 1.5 مليون سائح روسي إليها.

وتشير بيانات البنك الدولي عام 2017 كآخر بيانات متاحة، لبلوغ عدد العمالة الأوكرانية التي تعمل في روسيا 3.272 مليون عامل، مقابل عمالة روسية في أوكرانيا بلغت 3.310 مليون شخص، وهو أمر ستكون له تداعياته بعد الغزو الروسي وكيفية التعامل مع هذا الملف الشائك؛ مثل غيره من الملفات الخاصة بصادرات أوكرانيا من القمح والذرة وزيوت الطعام بعد الغزو، وملف السياحة الأوكرانية الداخلة والخارجة، وملف إعادة الإعمار بعد التلفيات الضخمة التي حدثت في البنية التحتية والبيوت، وتعويضات أسر ضحايا وجرحى الحرب، وتكاليف استعادة المعدات الدفاعية والأسلحة وغيرها من الملفات الاقتصادية والاجتماعية، والتي تنتظر ماذا سيسفر عنه الغزو لفتحها.

……………..

نقلا عن “عربي 21”