الدعاة فى مواجهة طوفان التحلل الخُلُقي

- ‎فيمقالات

وضعتْ موجاتُ التحلل الخُلُقى المتتابعة المربين والدعاة أمام تحدٍ كبير، بل الأنظمة والحكومات التى باتت قوانينها ولوائحها غير كافية لكبح هذا الفساد، الغربى النشأة، والذى زادت مخاطره على مجتمعاتنا بعد ثورة «الإنترنت» وشبكات التواصل التى بدأت فى تسعينيات القرن الماضى ولا تزال تفزعنا كل لحظة بالجديد والعجيب.

كما ذكرتُ فإن هذا التحلل ليس وليد اليوم، بل يمتد لعقود خلت وكانت ساحته أمريكا ودول الغرب، وهناك إحصائيات تنبئ بانهيار هذه الدول ومن ثَمَّ انحسار الرجل الأبيض ووقوع تغيرات ديموجرافية حادة -بعد تراجع نظام الأسرة- من شأنها ترتيب خريطة العالم من جديد؛ سياسيًّا واقتصاديًّا ومجتمعيًّا..

فعلى سبيل المثال: نسبة الأولاد الذين وُلدوا خارج دائرة الزواج فى أمريكا بلغت فى عام 1995 (28%)، ارتفعت إلى (35.5%) عام 2001. وفى بريطانيا كانت النسبة فى عام 1974 (8.8%) ارتفعت عام 1991 لتصل إلى (41.1%)، وبلغت فى السويد فى عام 1980 (40%) ارتفعت إلى (54%). وفى فرنسا ارتفعت من (11%) لتصل فى عام 1998 إلى (40%).

ومن العجيب أن منظمات عالمية، من بينها «الأمم المتحدة» هى من تدعو لهذه الكارثة البشرية؛ فمنذ عام 1948 وهذه المنظمة تهتم بما أسمته «حقوق المرأة الجنسية»، فلذلك عقدت العديد من المؤتمرات الدولية بخصوص هذه الحقوق؛ فى مصر (1950)، المكسيك (1957)، نيروبى (1965)، مصر(1994)، بكين (1995)، بكين (2005)، ودعت، بل ألزمت المشاركين بـ: الدعوة إلى حرية العلاقة الجنسية المحرّمة، واعتبار ذلك من حقوق المرأة الأساسية، نشر وسائل منع الحمل، الدعوة إلى تحديد النسل، الاعتراف بحقوق الزناة، الاعتراف بالشذوذ الجنسى، التنفير من الزواج المبكر، تشجيع التعليم المختلط. وقد أكد الراحل الدكتور محمد عمارة فى كتابه: [حقائق وشبهات حول مكانة المرأة فى الإسلام]: أن (60% من أعضاء المنظمات الأنثوية فى أمريكا سحاقيات، وهذه المنظمات -وأمثالها فى الغرب- هى المسيطرة على لجنة المرأة فى الأمم المتحدة، ومن خلالها فرضت شذوذها الفكرى والسلوكى على العالم أجمع).

أما ثورة الاتصال المعاصرة فجاءت لتوقع شرقىّ العالم وغربيّه وما تبقى فيه من أمم محافظة، ومنها أمتنا الإسلامية، فى هذا الشَرَكِ القاتل، بعدما صار العالم قرية واحدة، وبعدما فاقت أعداد أجهزة «الأندرويد» أعداد سكان المعمورة، وبنقرة واحدة يستطيع صاحبه، كبيرًا أو صغيرًا، مشاهدة ما يحلو له، دون رقيب أو حسيب، فاختلط الحابل بالنابل، وانتقلت التجربة الثقافية الغربية المدمرة بكاملها إلى جهات العالم الأربع؛ فصار مراهق غير راشد فى قرية بجنوب الفلبين أو بأخرى فى صعيد مصر يتوفر على مشاهد وصور وسلوكات مشينة لا تتوفر لأجداده وإن علوا، بل لم تكن تتوفر لمخابرات دولته حتى وقت قريب.

وبنظرة سريعة إلى المحتوى الإباحى على «وسائل التواصل» تصدمنا الإحصائيات التالية: (35%) من مجموع التنزيلات عبر الإنترنت ذات صلة بمحتويات إباحية. (30%) على الأقل من جميع البيانات المنقولة عبر الإنترنت ذات صلة بمحتويات إباحية. يعتبر (11) موقعًا إباحيًّا من بين أشهر (300) موقع إلكترونى فى العالم؛ أحد هذه المواقع يحتل المرتبة (18) على مستوى العالم. حظى أكبر موقع إباحى مجانى فى العالم بأكثر من 33,500,000,00 زيارة خلال عام 2018 وحده. (64%) من الشباب والشابَّات ما بين (13) و(14) سنة يبحثون بنشاط عن المواد الإباحية مرة أسبوعيًّا أو أكثر من ذلك.

وقد كان لهذه التغيرات آثار سلوكية وأخلاقية خطيرة على مجتمعاتنا لا نستطيع حصرها ولكن نشير إلى: سفور المرأة، الاختلاط، التنمر والتحرش بالنساء، تفشى الفاحشة، البذاءة والسبّ، التعرّى والحط من الكرامة لأجل الشهرة والمال إلخ وجميعها أصابت الأخلاق فى مقتل، ودلَّت على ابتعاد الناس عن الدين. فما يفعل الدعاة -فضلًا عن دور الآباء والمربين والحكومات، وهذا ليس موضعه- إزاء هذا الطغيان من التحلل والإباحية؟

من واجب الدعاة النصح والإرشاد بما يلائم الموقف والزمن، وسوْق الأدلة والإحصائيات التى تؤكد مخاطر هذا الأمر ومنافاته للشرع الحنيف الذى يحض على العفة ويدعو إلى الفضيلة والاحتشام. ويا حبذا لو كانت هناك برامج عملية وخطط ومستهدفات لقمع الظاهرة التى طفت سوءاتها على المجتمع من تفشى جرائم الزنى والخطف والاغتصاب وغيرها. ويمكن التعاون والتنسيق فيما بين الدعاة لتدشين منصات لمواجهة هذا السيل العفن الذى يروِّج له سماسرة الداخل والخارج، وتشجيع كل محاولة تصبُّ فى صالح القيم الخلقية والسلوك الحسن. ومن بين مهام الداعية أيضًا حثّ الجهات الرسمية لاستئصال جذور الفساد، وهذا ممكن لو توافرت النيات الصالحة، وكذلك إنشاء الجمعيات الأهلية والمنظمات الوقفية التى تحارب الرذائل والمنكرات. والله الموفق والمستعان.