دستوريا ، تبقى خدمات الصحة والتعليم من مقومات دور الدولة المصرية، مهما بلغت التكاليف أو تدهورت الأوضاع.
إلا أنه مع فشل المنقلب السفيه السيسي الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، بات كل شيء قابل للبيع والتهرب من المسئولية عنه، سواء بشكل فج أو حتى بمزاعم واهية كالخصخصة والاستثمار وما شابه ذلك.
أمس، الاثنين، بحث رئيس وزراء الانقلاب ، مصطفى مدبولي، مع وزير التربية والتعليم، رضا حجازي، آليات زيادة التعاون مع القطاع الخاص في ملف التعليم ما قبل الجامعي، من خلال طرح 44 مدرسة للبيع أمام المستثمرين بعد تطويرها.
وقال حجازي: إن “وزارته لا تألو جهدا لدعم وتشجيع التعاون مع القطاع الخاص في ملف التعليم، بما يخدم عملية تطوير المنظومة التعليمية، مستعرضا تقريرا عن الموقف الحالي لعدد من المدارس، وآليات الاستفادة منها على مستوى الجمهورية، وإدراجها ضمن مقترح الخطة الاستثمارية للوزارة، عن طريق طرحها على المستثمرين من القطاع الخاص”.
حجم الرأسمالية المتوحشة
وتأتي تصريحات حجازي لتكشف عن حجم الرأسمالية المتوحشة التي تتملك نظام السيسي وتسيطر عليه، في مجتمع يزيد فيه عدد الفقراء عن أكثر من 60% من سكانه، وتتزايد فيه المعاناة الاقتصادية والاجتماعية مع انهيار قيمة العملة، وهو الأمر الذي من المفترض أن يشهد فيه إنفاقا حكوميا متزايدا لدعم استقرار وتطوير التعليم وتخفيف الأعباء عن الأسر الفقيرة، وذلك وفق الإدارة الرشيدة للدولة، وليس التعامل مع كل شيء بمنطق التاجر المفلس، الذي تنزل عن أكبر وأعرق الشركات كشركات الحديد والصلب والأسمنت والأسمدة والنقل والشحن وغيرها، بجانب تأجير مستشفيات التأمين بعد تحويل المستشفيات الحكومية لنظام اقتصادي استثماري، لا تقدم فيها سوى الخدمات الصحية بأجور تتصل لأسعار المستشفيات الخاصة.
وكلف رئيس الوزراء وزير التعليم بسرعة طرح المدارس الجاهزة، والتي يبلغ عددها 10 مدارس، على المستثمرين من القطاع الخاص، وسرعة الانتهاء من أعمال التطوير الجارية في 34 مدرسة أخرى، من أجل طرحها للبيع على المستثمرين.
وشهد الاجتماع استعراضا لجهود الوزارة بشأن التوسع في نماذج المدارس اليابانية، ومدارس النيل الدولية، باعتبارها تعكس التعاون والشراكة مع القطاع الخاص في ملف التعليم، فضلا عن مجالات التعاون الأخرى مع رجال الأعمال في ما يخص المدارس الفنية والحرفية.
ويعد بيع المدارس الحكومية للمستثمرين، تخليا فجا عن مسئولية حكومة، يدمر المجتمع ويزيد من معاناة الفقراء وتهميشهم ، بل ونشر الجهل في أوساطهم، والعودة لنظام الطبقية المقيت، حيث إن أغلبية المصريين بات محكوما عليهم بالجهل وعدم تعليم أبنائهم، إثر ارتفاع المصاريف وتحويل المدارس الحكومية لخاصة.
وذلك على عكس دول العالم، التي توفر التعليم بشكل مجاني أو شبه مجاني، لدعم مجتمع المتعلمين والعلماء، بل وفي الوقت نفسه تشجع المستثمرين على الاستثمار في التعليم، بمنحهم رخصا لبناء وافتتاح مدارس، تتناسب مع حاجيات المجتمع، مع الاستمرار في حماية المدارس الحكومية وزيادة أعدادها في كل المناطق والقرى لما يتناسب مع إمكانات أقل الفئات المجتمعية.
مخالفات دستورية
يشار إلى أن بنود الموازنة المصرية الحالية خالفت المواد أرقام 18 و19 و21 و23 من الدستور للعام المالي الثامن على التوالي، وهي المواد المتعلقة بالتزام الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي لمصلحة قطاع الصحة، و4% للتعليم قبل الجامعي، و2% للتعليم العالي، و1% للبحث العلمي.
وتراجعت المخصصات الدستورية للتعليم في موازنة 2023-2024 إلى نسبة 1.9% من الناتج المحلي، بمبلغ 239 مليار جنيه من إجمالي 11.8 تريليون جنيه، ما أدى إلى فجوة كبيرة بين الإنفاق الفعلي والنسبة الدستورية بقيمة تقدر بنحو 480 مليار جنيه.
فيما تعاني المدارس الحكومية من ازدحام شديد وتكدس بالفصول غير مسبوق، علاوة على تقلص أعداد المعلمين في ظل تطبيق قانون الخدمة المدنية وعدم تعيين معلمين جدد، بداعي تقليص أعداد الموظفين الحكوميين، بل إن كثيرا من المدارس تنقصها الوسائل التعليمية وتلجأ لتمويل احتياجات العملية التعليمية بشكل ذاتي أو من جيوب التلاميذ بتحميلهم أموالا وتبرعات من أجل شراء المستلزمات التعليمية، بل إن الحكومة امتنعت عن طباعة الكتب الدراسية، وبررت الأمر بالاعتماد على الوسائل التكنولوجية الغائبة بالأساس، لتزيل المناهج الدراسية، وذلك توفيرا للنفقات، وهو ما يحمل الأسر ملايين الجنيهات لشراء الكتب الخارجية والوسائط وإعطاء الدروس الخصوصية ، ما يفاقم الفقر والأزمات الاقتصادية والتعليمية، وصولا لمجتمع الجهل والتخلف، وهو ما يخدم أحلام النظم المستبدة ودوائرهم المقربة، باستمرار عزل الشعب والفقراء وغالبية أبنائهم عن المناصب العليا أو التأثير بالقرارات، وهو ما يمنح المستبد قبلات للحياة الإضافية على كراسي السلطة.