بعد تعيين 3 قضاة جدد بالمحكمة الدستورية.. كيف أخضع السيسي القضاء؟

- ‎فيتقارير

في تكريس لهيمنة جنرال الانقلاب عبدالفتاح السيسي على السلطة القضائية منذ انقلاب 3 يوليو 2013م، أصدر السيسي الأحد 20 ديسمبر 2020م قرارا انقلابيا جديد بتعيين ثلاثة قضاة جدد بالمحكمة الدستورية العليا، جرى اختيارهم من جانب رئيس المحكمة الذي عينه السيسي بالمخالفة لقاعدة الأقدمية والجمعية العمومية لها.
الأعضاء الثلاثة الجدد ينتمون إلى جهات خارج المحكمة الدستورية من دون تعيين أي من أعضاء هيئة المفوضين بتشكيل المحكمة، لأول مرة منذ عام 2009م، وهم خالد رأفت دسوقي، وكان يشغل درجة نائب رئيس مجلس الدولة، وعلاء السيد وكان يشغل درجة نائب رئيس محكمة النقض، والأكاديمية فاطمة الرزاز عميدة كلية الحقوق بجامعة حلوان وابنة وزير المالية الأسبق محمد الرزاز الذي عمل مع رئيسي الحكومة السابقين عاطف صدقي وكمال الجنزوري في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
وبموجب الترقيعات الدستورية التي أجراها نظام الانقلاب على دستور 2014م في إبريل 2019م، فقد اصبح قرار تعيين الأعضاء الجدد بالمحكمة بيد رئيس الجمهورية، الذي بات يملك الاختيار بين من ترشحهم الجمعية العمومية للمحكمة ورئيسها، وفي السابق كان قرار التعيين الذي يصدر من رئيس الجمهورية يقتصر على التصديق على اختيار الجمعية العامة للمحكمة، دون تدخل منه في الاختيار.
ومنذ انقلاب 03 يوليو فإن القضاء الذين تآمر على الثورة والنظام الديمقراطي يتعرض لأكبر عملية تجريف وإخضاع، تمثلت في تعديلات قانون الهيئات القضائية بما أفضى إلى هيمنة السلطة التنفيذية بشكل كبير على مفاصل القضاء؛ وبالتعديلات الدستورية في إبريل 2019م، فإن عملية تطويع القضاء والوصاية عليه، تكون قد وصلت إلى محطتها الأخيرة التي بدأت مع الدكتاتور جمال عبدالناصر وصولا إلى الطاغية عبدالفتاح السيسي.
سوط السيسي لمعاقبة مخالفيه

ورغم مشاركة القضاء في مشهد الانقلاب وهو عمل سياسي بامتياز، ورغم الحرص الذي أبداه قضاة في تنفيذ رغبات النظام وتحولهم إلى أدوات ينتقم بها النظام من الإسلاميين عموما ونشطاء ثورة يناير ، وكذلك تعيين رئيس مؤقت صوري ينتمي إلى السلطة القضائية هو رئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور؛ إلا أن السيسي عمل على إخضاع السلطة القضائية لمشيئته حتى تكون أداة من أدواته وسوطا يعاقب به مخالفيه. و مضى السيسي وفق خطة محكمة للسيطرة على القضاء والقضاة عبر عدة محطات:
أولا، تم ملاحقة قضاة الاستقلال وأحال السيسي في 24 يوليو 2013 ستين قاضيا إلى مجلس التأديب والصلاحية بتهمة إصدار بيان رفضوا فيه الانقلاب على الدستور والرئيس المنتخب واتخذ قرارا بعزلهم من القضاء من جانب محمد شيرين فهمي قاضي الإعدامات بتهمة ممارسة السياسة رغم أن الزند وقضاة النظام فتحوا نادي القضاة لحركة "تمرد" وشاركوا في 30 يونيو وهناك فيديوهات توثق ذلك؛ بل إن الزند حرض الأمريكان على التدخل في شئون مصر دون أن يقدم لمجلس التأديب والصلاحية! ومضى السيسي في سحق قضاة الاستقلال وتم بعد ذلك اعتقال المستشار محمود الخضيري، ثم الإطاحة بالمستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، بعد تصريحاته حول حجم الفساد في مصر والذي يصل إلى 600 مليار جنيه، ثم اعتقال المستشار أحمد سليمان وزير العدل الأسبق. كما شكل ما تسمى بدوائر الإرهاب والتي استخدمها النظام كأداة انتقام أصدرت مئات الأحكام المسيسة بالإعدام والمؤبد والغرامات الباهظة بحق الإسلاميين ونشطاء الثورة.
ثانيا، في 27 إبريل 2017م؛ صدَّق جنرال الانقلاب على قانون السلطة القضائية الذي نشر بالجريدة الرسمية يوم الجمعة 28 إبريل؛ وهو القانون الذي عصف باستقلال القضاء ومنح زعيم الانقلاب صلاحية تعيين رؤساء الهيئات القضائية لأول مرة في تاريخ مصر؛ ما يمثل تغولا غير مسبوق للسلطة التنفيذية على حساب السلطة القضائية؛ ذلك أن الهيئات القضائية تختار رؤساءها وفق الأقدمية منذ قانون استقلال القضاء المعمول به منذ عام ١٩٤٣م. العملية بهذه الصورة لم تكن إهانة للقضاء فحسب، وهذا أمر لا يمكن التقليل من حجمه، وإنما شكلت خطواتها اعتداء على الدستور فى الشكل والمضمون.

ثالثا، إعادة تشكيل ما يسمى بــ"المجلس الجامع للهيئات القضائية" في منتصف يناير 2019م؛ وهو المجلس الذي كان ائما في عهدي الرئيسين الراحل، أنور السادات، والمخلوع حسني مبارك، وفق دستور 1971، وتم إلغاؤه بعد ثورة 25 يناير 2011، بناء على مطالبات من القضاة، باعتبار أن المجلس كان يهدف إلى السيطرة على الهيئات بواسطة وزير العدل الذي كان يرأس اجتماعات المجلس فعليا. والهدف الأول من تشكيل هذا المجلس هو إمعان السيطرة على الهيئات القضائية، وتوحيد قراراتها إزاء الملفات المختلفة، وذلك رغم أنه يترأس جميع الهيئات القضائية المصرية حالياً مستشارون معيّنون من السيسي بقرار جمهوري، بالمخالفة لقاعدة الأقدمية المعمول بها منذ نشأة القضاء المصري، استنادا للقانون الذي أصدره في إبريل 2017 والمطعون فيه أمام المحكمة الدستورية حاليا.
آليات جديدة

رابعا، يرتبط بالمجلس الجامع للهيئات القضائية أيضا، إنشاء أكاديمية لتخريج القضاة الجدد ووضع آليات جديدة لنظام التعيين والتدريب الجديد الذي وضعته وزارة العدل مع هيئة الرقابة الإدارية والمخابرات العامة، ما يمثل تدخلا سافرا من جانب قائد الانقلاب في ملف التعيينات في الهيئات القضائية، ما يمثل «اعتداء على استقلال القضاء، واعتداء على الدستور»، خاصة مع منح المخابرات العامة والرقابة الإدارية والأكاديمية الوطنية للشباب سلطة غير مسبوقة في الإشراف على التعيين في وظائف قضائية، حسبما اتضح من تفاصيل رحلة المتقدمين للتعيين في النيابة العامة مع الاختبارات التي خضعوا لها بالفعل، رغم اعتراضات مجلس القضاء اﻷعلى.
خامسا، تطويع القضاء بالتعديلات الدستورية، وهي التعديلات التي منحت زعيم الانقلاب صلاحيات مطلقة لم يحصل عليها أي رئيس أو ملك أو فرعون من قبل وتحقيق التطويع الكامل للسلطة القضائية لتكون تحت ولاية مباشرة لرئيس الانقلاب؛ فالتعديلات المشئومة عضفت بما تبقى من «هامش استقلال محدود للسلطة القضائية»، وكذلك منحت حصانة للتشريعات الاستثنائية الصادرة عن السلطة التشريعية «بتوجيهات من رئيس الجمهورية، بهدف ترسيخ ركائز حكم ديكتاتوري وقمع كافة الأصوات المعارضة». ومنها المادة 185 التي منحت الجنرال صلاحية «تعيين رئيس الجمهورية رؤساء الجهات والهيئات القضائية من بين خمسة ترشحهم مجالسهم العليا من بين أقدم سبعة من نوابهم». أما المادة 189 تسمح بأن «يعين رئيس الجمهورية النائب العام من بين ثلاثة يرشحهم مجلس القضاء الأعلى». كما منحته أيضا صلاحية اختيار رئيس المحكمة الدستورية من بين اقدم خمسة نواب لرئيس المحكمة بدلًا مما كانت تنص عليه المادة 193 من اختيار الجمعية العامة للمحكمة رئيسها. كما ألزمت بتشكيل مجلس أعلى للجهات والهيئات القضائية برئاسة السيسي، على أن يتولى هذا المجلس تعيين وترقية وندب القضاة، فضلا عن النظر في القوانين المقترحة لتنظيم عمل الهيئات القضائية.