واصل سعر الدولار ارتفاعه أمام الجنيه المصري بالبنوك والسوق الموازية خلال الساعات الماضية، بضغوط من زيادة طلب الشركات الأجنبية المتعاملة مع السوق الدولية، على تسوية حساباتها  بنهاية السنة المالية، والمدفوعات الحكومية لخدمة الدين الخارجي، وطلب الموردين والتجار، إضافة إلى ما يتردد حول خفض جديد لقيمة العملة المحلية مع حديث عن تجدد الخلافات بين الحكومة وصندوق النقد الدولي.

تراوح سعر الدولار في البنوك وشركات الصرافة ما بين 24.61 و24.64 جنيها، بينما كسر حاجز 30 جنيها في السوق الموازية ولدى تجار الذهب.

 

تفاوت كبير

أرجع خبراء التفاوت الكبير في سعر الدولار بالسوق عن البنوك الرسمية إلى اتخاذ التجار والموردين قرارا بإعادة تقييم أصولهم، وفقا لسعر التحوط للدولار حتى نهاية ديسمبر الحالي، لحين تنفيذ البنك المركزي قرار إلغاء قيود الاستيراد من الخارج، وحصول الحكومة على قرض صندوق النقد الدولي.

ومع استمرار خطط الحكومة الفاشلة اقتصاديا في تخفيض قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية، استجابة لضغوط صندوق النقد الدولي، من أجل  منح مصر 3 مليارات دولار منذ 7 أشهر، تتفاقم المخاطر الاقتصادية بمصر بصورة غير مسبوقة.

حيث إن تلك السياسة  ستدفع الجنيه نحو المزيد من الغرق وحالة غلاء، يمكنها أن تدفع المواطنين إلى الشارع، كما حدث قبل يناير2011، وثبت عدم جدوى تعويم الجنيه في مرتين سابقتين، منذ التعويم الأول الذي حدث عام 2016.

وأمام انهيار الجنيه وغرقه، تتعاظم المخاطر الاقتصادية بمصر، حيث تتجه الأسواق إلى حالة من الارتباك وعدم استقرار في أسعار السلع اليومية وتزايد تكاليف الإنتاج والتشغيل، ويدفعان الشركات إلى حالة من الركود المخيفة.

ووفق خبراء اقتصاد، فإنه مع ارتفاع الدولار ، تتعطل المصانع والأسواق تزداد ارتباكا، وقدرات المستهلكين على تحمل الغلاء تتلاشى.

بينما تقف حكومة الانقلاب عاجزة عن خلق حلول مجدية، بعيدا عن مواصلة السير في دروب الاقتراض وتخفيض قيمة العملة الوطنية، والتي تدفع البلاد نحو قاع من الأزمات غير معلوم المدى.

ومع التذبذب في العملة تزايدات المضاربات المالية، وباتت السلع المعمرة والذهب والخامات الإنتاجية مجالا للصراعات المالية، حتى ارتفع سعر جرام الذهب عيار 21 إلى نحو 1800 جنيها، لأول مرة في التاريخ.

 

بيانات تطمينية

ولم تجد وزارة مالية الانقلاب سوى إصدار بيانات تطمينية جول توقعاتها حول اقتراب حصولها على قرض من صندوق النقد الدولي، قيمته 3 مليارات دولار، فضلا عن طرحها أحد البنوك وشركات عامة للبيع في بورصة الأوراق المالية، العام المقبل، لتنفيذ برنامج ثالث مع صندوق النقد، يراه الصندوق ضروريا لإنقاذ الاقتصاد من المزيد من التدهور، بينما يحذر خبراء اقتصاد من مخاطره إذ يرتكز على تعويم جديد للعملة المصرية ما يعمق من الأضرار التي تشهدها البلاد.

وصف أحمد جلال وزير المالية الأسبق الاتفاق الجديد مع صندوق النقد، بأنه اتفاق التعويم الثالث، مشيرا إلى أنه يرتكز على تعويم سعر صرف الجنيه الذي يتجه نحو حفرة عميقة لا نرى مداها، ولا الفترة الزمنية التي يمكن أن يتوقف عندها.

وقال جلال على هامش منتدى نظمته الجامعة الأميركية في القاهرة، مساء الأحد الماضي، لمناقشة الإصلاح الهيكلي المصري، إن "اعتماد الحكومة على القروض واستخدام سعر الصرف وقيمة الفائدة كاتجاه وحيد لإدارة الاقتصاد، لن يؤدي إلا إلى مزيد من التراجع في قيمة الجنيه، وتدهور الاقتصاد".

فيما يحذر خبراء الاقتصاد من التكلفة الكبيرة التي يمكن أن تحدث مع زيادة معاناة المصريين من الغلاء وارتفاع الأسعار، من عدم استقرار.

ودعا خبراء الحكومة إلى وقف الحفر والفجوات التي تصنعها في الموازنة العامة، بإنشاء كيانات موازية كالصندوق السيادي وقروض الهيئات العامة، التي تنفق أموال الموازنة وتقترض بضمانات حكومية قروضا تستغل في مشروعات لا عائد من ورائها أو تدر عملة محلية لا قيمة لها، إذا ما قورنت بكميات القروض التي تحصل عليها بالدولار.

 

انكماش ملحوظ

وتتعمق مشاكل القطاعات الإنتاجية، إذ عانت الشركات من انكماش ملحوظ في الأعمال خلال نوفمبر الماضي، بسبب ارتفاع سعر الدولار وتزايد الضغوط التضخمية، وفق بيانات مؤشر مديري المشتريات الصادر عن وكالة ستاندرد آند بورز أمس الأول.

وانخفض الإنتاج بأعلى معدل منذ مايو 2020، إذ أدى الهبوط القوي في قيمة الجنيه إلى ارتفاع أسعار الشراء بأقصى معدل منذ أكثر من 4 سنوات، ووفق المؤشر تراجع مؤشر مديري المشتريات على نحو كبير من 47.7 نقطة في أكتوبر إلى 45.4 نقطة في نوفمبر ، لتمتد بذلك سلسلة الانكماش في الاقتصاد غير النفطي إلى عامين.

يشار إلى أن سياسة خفض قيمة الجنيه، لم تحدث أي زيادة في الاستثمارات الأجنبية أو الصادرات، وإنما أدت إلى مزيد من التضخم وزيادة الأسعار للسلع.

وبينما تستمر سياسة الحكومة حول أمرين فقط الاقتراض من صندوق النقد أو إصدار سندات ديون جديدة فقط،  وهو ما يفاقم الأزمات الاقتصادية، بينما ترى  عالية المهدي عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية السابق، أن المبالغ المستحقة لخدمة الفوائد والقروض الأجنبية بنحو 26 مليار دولار سنويا، مشيرة إلى أن توسع الحكومة في الاقتراض من الخارج، تسبب في ضغط كبير على الموازنة والاقتصاد والسير بمعدلات مزعجة، حيث أصبح الدين الخارجي يمثل 71% من إجمالي الديون العامة، أغلبها قصير الأجل.

Facebook Comments