هل زُوِّرت الانتخابات لصالح “مرسي”؟

- ‎فيمقالات

من جديد يُطرح ادعاء تزوير الانتخابات لصالح الدكتور «مرسى» -رحمه الله-، وإذا كان سياسيون وإعلاميون مصريون محسوبون على العسكر من ادَّعوا ذلك من قبل؛ فإن دبلوماسيًّا سعوديًّا هو من يعيد طرح الادعاء هذه المرة؛ ففى يوم الثلاثاء الماضى (2 من مارس 2021)، وفى لقاء متلفز، قال «أحمد القطان» وزير الدولة السعودى للشئون الإفريقية، سفير المملكة لدى مصر إبان انتخابات رئاسة الجمهورية (مايو 2012) إنه (أُبلغ رسميًّا بفوز «شفيق» وأن نتائج الانتخابات قُلبت بسبب تدخل السفيرة الأمريكية فى القاهرة آنذاك «آن باترسون»).

وما جاء فى لقاء «القطان» وتوقيته يثيران العديد من علامات الاستفهام؛ إذ تضمن، إضافة إلى أكذوبة تزوير انتخابات الرئاسة، تصريحات أخرى تمس علاقة المملكة بالنظام العسكرى والتى كانت حليفًا قويًّا وداعمًا للانقلابيين، خصوصًا ما يتعلق بـ «تيران وصنافير» وإشاراته الواضحة حول تضخم الدور السعودى كبديل للدور المصرى فى المنطقة؛ ما دفع البعض إلى التكهن بانحلال العلاقة الآثمة بين النظامين، وأن تصريحات هذا الرجل تحديدًا، وهو سعودى الجنسية مصرى التعليم والهوى، تعد «ضربًا تحت الحزام» -حسب تعبير أحدهم.

وما يهمنا هو ادعاؤه بتزوير الانتخابات، وهو ادعاء مردود عليه، أُطلق من قبل لوصم الإخوان والدكتور «مرسى» بهذه النقيصة وتشويه صورتهم من ناحية، وللتغطية على خسارتهم – أى العسكر والفلول والأنظمة الإقليمية التى دعمتهم- من ناحية أخرى؛ رغم ما أنفقوه وكان حسرة عليهم.

والرجل فى حواره يناقض نفسه؛ ففى حين يقول إنه «أُبلغ رسميًّا بفوز شفيق» يعود فيقول إنه علم بذلك من التلفزيون المصرى وعلى لسان «مصطفى بكرى» الذى أكد أن قوات من الأمن توجهت لحماية منزله. ويقول أيضًا إنه كان فى اجتماع بمدينة الرياض ضم «هيلارى كلينتون» و«سعود الفيصل»، وزير الخارجية السعودى وقتها، والذى قال مطمئنًا إياها: «إن القوات المسلحة المصرية لن تسمح للإخوان بأن يحكموا مصر».

وهذا الكلام المتناقض، ونية العسكر المبيتة كما جاءت على لسان «الفيصل» يؤكدان أن محاولات مستميتة بُذلت لإنجاح شفيق، كوجه شبه مقبول من بين العسكر (على الرغم من صدور حكم من محكمة القضاء الإدارى يوم الأربعاء (9 مايو 2012) يقضى ببطلان قرار اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية بإحالة قانون «العزل السياسى» للمحكمة الدستورية العليا ووقف تنفيذه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، ومنها استبعاد شفيق -فإن الأمور بقيت على ما هى عليه، وكما أرادها المجلس العسكرى)، لكن باءت جميعها بالفشل أمام رغبة جماهيرية فى إنجاح منافسه «مرسى»؛ ولأن حملة الأخير ومنظمات أخرى قطعت الطريق على محاولات التزوير، كما سنرى فى السرد التاريخى الآتى، وقد كنتُ شاهدًا على الأحداث وسجلتها ساعة بساعة ونشرتها فى كتاب «الإخوان وثورة 25 يناير: من معتقل وادى النطرون إلى قصر الاتحادية» الذى صدر فى العام نفسه (2012)..

فى صباح يوم الأربعاء (23 من مايو 2012م) انطلق سباق الانتخابات الرئاسية، حيث توجه ملايين الناخبين إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس لمصر من بين (13) مرشحًا؛ حيث جرى التصويت فى أكثر من (13) ألف دائرة فرعية تحت إشراف قضائى كامل.

وفى يوم الإثنين (28 من مايو 2012م) أعلنت اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية تصدر «د. محمد مرسى» لنتيجة الجولة الأولى وخوضه جولة الإعادة بحصوله على 5.764.952 صوتًا بنسبة 24.7% وجاء فى المركز الثانى «أحمد شفيق» بعدد أصوات 5.505.327 ويدخل جولة الإعادة مع «د. محمد مرسى» والتى جرت يومى 16 و17 من يونية 2012م.

كما أعلنت اللجنة العليا فوز «حمدين صباحى» بالمركز الثالث بحصوله على 4.820.273 صوتًا، وجاء بعده فى المركز الرابع «د. عبدالمنعم أبوالفتوح» بحصوله على 4.065.239 صوتًا، واحتل المركز الخامس «عمرو موسى» بحصوله على 2.588.850 صوتًا.

كانت اللجنة قد أعلنت أن عدد المدعوين للانتخابات هو 50.996.746 وأن عدد الحضور بلغ 23.672.236 ناخبًا وكان عدد الأصوات الصحيحة منها هو 23.265.516 صوتًا والباطل 406720 صوتًا.

على مدى يومى السبت والأحد (16 و17 من يونية 2012م) استجمع العسكر وفلول النظام البائد قواهم لإسقاط مرشح الثورة «د. محمد مرسى»، تشاركهم وسائل الإعلام المحسوبة على العسكر (المقام لا يتسع لعرض هذه المحاولات الإجرامية والتى استغرقت ما يقرب من فصل من فصول الكتاب).

فجر يوم الإثنين (18 من يونية 2012م) أعلنت حملة الدكتور «محمد مرسى» فوزه بمنصب رئاسة جمهورية مصر العربية. فحسب النتائج التى وردت من مندوبيه ومن خلال محاضر الفرز فى جميع لجان الانتخابات والموقعة من رؤسائها القضاة، أشارت النتائج إلى حصول الدكتور «مرسى» على 13.237.000 صوت بنسبة 52%، وحصول منافسه «الفريق أحمد شفيق» على 12.338.973 صوتًا بنسبة 48%، وذلك من إجمالى عدد الأصوات الصحيحة البالغة 25.575.973 صوتًا.

وأعلن المستشار «زكريا عبدالعزيز» رئيس «قضاة من أجل مصر» بميدان التحرير أن مرشح الثورة حصل على 13 مليونًا و244 ألفًا و964 صوتًا، أما مرشح النظام القديم فقد حصل على 12 مليونًا و334 ألفًا و584 صوتًا، وبالتالى يكون الفائز هو الدكتور «محمد مرسى»، مؤكدًا أن هذه النتيجة هى التى رصدها القضاة الشرفاء، والتى أُخذت من رؤساء اللجان الفرعية..

كما أعلنت «لجنة الحريات بنقابة المحامين» عن حصول «د. محمد مرسى» على 51.8% من أصوات الناخبين فى جولة الإعادة دون نتائج التصويت بالخارج، بينما حصل «الفريق أحمد شفيق» على 48.2%، وأكد «طارق إبراهيم»، منسق لجنة الحريات، فى مؤتمر صحفى يوم الخميس (21 من يونية 2012م) بالنقابة العامة للمحامين أن هذه النتيجة تستند إلى محاضر الفرز الرسمية للجان الفرعية واللجان العامة فى المحافظات.

وقد عمد المجلس العسكرى إلى تأخير إعلان النتيجة -لحاجة فى نفسه- لمدة قاربت الأسبوع، ما شحن نفوس الشعب ضده، وزادت حالة الاحتقان فى الشارع المصرى، وقد أبدى المواطنون استياءهم من هذا السلوك، وبدأت تساورهم الشكوك والريبة فى احتمال تلاعب المجلس العسكرى بالنتيجة…

وفى يوم الأحد (24 من يونية 2012م) أعلنت اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة فوز «د. محمد مرسى» بمنصب رئيس الجمهورية بنسبة 51.7% من جملة الأصوات الصحيحة فى جولة الإعادة. وقالت اللجنة إن عدد الناخبين المدعوين للتصويت كان 50.985.794 ناخبًا، وأن عدد من أدلوا بأصواتهم بلغ 26.420.763 صوتًا بنسبة 51.85% فيما بلغت الأصوات الباطلة 843.252 صوتًا. وأعلنت اللجنة حصول «د. محمد مرسى» على 13.230.131 صوتًا فيما حصل «الفريق شفيق» على 12.347.380 صوتًا بنسبة 48.27%.

وعندما يطعن «القطان» فى نتائج الانتخابات، بعد كل هذه الأدلة، وفى هذا التوقيت، فلحاجة فى نفسه أو في نفس أمرائه الذين يطعنون بهذه التصريحات في ذمم ونزاهة ووطنية حلفائهم الأقربين.