كتبت- رانيا قناوي:
كعادته يخرج قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي في كل خطاب لا يمل من تكرار نفس عباراته التي يقولها (مرتجلاً – معايرًا – متوسلاً – متسولاً) في مواجهة المصريين الغلابة، الذين لا يملكون أمام جحافل العسكر سوى الدعاء بأن يتم الخلاص من عند الله.
يستمر السيسي في ارتجاليته خلال كل خطاب فيرسل ما يريد إرساله للغلابة من صلف وكبر، تكون نتيجته دائمًا اتهامهم بأنهم مقصرون في حق مصر، وأنهم لا يريدون تحمل عبء إصلاحه الاقتصادي الذي أدى لخراب وانهيار الاقتصاد، أو يكشف السيسي عن دون قصد ما يختبئ تحت لسانه، فيتضح للناس حقيقة نظرته إليهم.
الغرور
لم يكتف السيسي بنبرة الاستعلاء على الشعب المصري الذي دائمًا ما يتهمه بأنه مقصر في حق مصر، وأنه لم يقم بالواجب المفروض عليه لها، رغم عبء ما يتحمله الغلابة وصبرهم على خراب بيوتهم وانهيار اقتصادهم، ولكن وصل حال السيسي للسخرية والاستهزاء من المصريين، معتبرًا أنهم ليس لهم حق السؤال عما يفعل وهم يُسألون.
خرج السيسي أمس الجمعة من أسوان ليجيب على كل من يريد محاسبته عن الإنجازات الوهمية التي أنجزها خلال فترة ولايته، بأنه لن يترك أحدا ليحاسبه ولكن الحساب سيكون له فقط، قائلاً: "أنا عملت اللي علي لكن أنتم عملتم أيه"، ليقطع بذلك السيسي الطريق على أي أحد من حقه أن يسأل ماذا فعل السيسي للغلابة، لأنه وقتها لن يكون هناك جواب سوى عقاب السائل على سؤاله بالقاعدة الشرعية التي وضعها قائد الانقلاب: "ماذا فعلتم أنتم؟".
يجيب الدكتور محمد نور فرحات، أستاذ القانون بجامعة الزقازيق، على السؤال الذي طرحه السيسي في خطابه بمؤتمر الشباب، حين قال: "أنا عملت اللي عليا لكن أنتم عملتم ايه"، ويقول فرحات في تدوينة عبر حسابه بـ"فيس بوك": "السؤال : وانتم عملتم ايه؟ .. الإجابة: ومش حنعمل طول ما النظام كده .. بس .. خلص الكلام".
فيما قال الصحفي هيثم سليمان: "قبل ما تسألوني عملت إيه.. أنتم عملتم في اللي عليكم إيه".. أول رئيس في التاريخ يخش للشعب كله قافية.. عوض علينا عوض الصابرين يا رب".
الاستعلاء
يحاول السيسي في كل خطاباته أن يصور المصريين تحت حكم الانتداب العسكري، فدائمًا ما يعاير المصريين خلال حديثه عن الإرهاب المزعوم أن الجيش والشرطة هما الذي يدفعون فاتورة الدفاع عن المصريين من دمائهم، في حين لم يقدم الشعب المصري شيئًا لهذا الوطن، وبالتالي فمن حق الجيش والشرطة أن تكون لهم الكلمة الطولى والعليا في كل شيئ بدءا من نهب أموال الدولة، واعتبارهم فوق القانون، ونهاية بتمييزهم عن غيرهم باعتبارهم مواطنين درجة أولى وفيما دونهم فهم في الخلف.
وطالب الكاتب الصحفي محمد على إبراهيم أحد تروس مبارك الإعلامية، السيسى بوقف نبرة تلقي الجيش والشرطة الرصاصة بديلًا عن المصريين خلال خطاباته في المناسبات الأخيرة، مؤكداً في مقاله بموقع "مصر العربية": "تستوقفني دائما خطابات السيسي خصوصا عندما يرتجل".
وتساءل: "لا أعرف لماذا الإصرار على الربط بين عدوين اقتتلا وكلاهما مثخن بالجراح من الآخر ويسعى لتشويهه، وهو أن الجيش والشرطة يتلقيان الرصاص بدلا من المصريين". وتابع: "هل الجيش والشرطة غير مصريين؟ لماذا تفرق بين أبناء الوطن الواحد! هل قال الرئيس السادات أن شهداء حرب أكتوبر دفعوا حياتهم لتحرير المصريين من عار هزيمة 1967 ! ".
وقال إبراهيم: "أنتم جيش مصري.. لا تمن علينا بالحماية فهذا واجبكم وتلك مسئوليتكم التي ارتضيتم القيام بها .. أنتم لستم جيش انتداب يحمينا طبقا لمعاهدة أو اتفاق.. كثير من المصريين هبطوا من مستوى الفقر إلى ما دون خط الفقر .. وهى معاناة تفوق سفك الدماء.. فالأب الذى يعجز عن إطعام أولاده والمرأة التى تطلب الطلاق لأن زوجها لا يمكنه توفير احتياجاتها".
التسول والتوسل
دائمًا ما يجد السيسي نفسه مضطرًا في كل خطاب على فتح باب التسول والتوسل في نفس الوقت، فلا يستطيع أن يتحدث دون أن يتسول كعادته من المصريين بأن يتبرعوا بكل ما يملكونه من أجل مصر حتى ولو كان بجنيه، في الوقت الذي لا يجد المصريون ما يتقوتون به نظرا لارتفاع الأسعار، حتى يحاصرهم دائمًا بشعاراته المعروفة: " مفيش معنديش"، الأمر الذي يقطع الطريق على كل من يحلم بالعيش في هذا الوطن أن يسأل عن الفرج، فلا يكون أمامه سوى الانتحار.
يأتي ذلك في الوقت الذي يرفل فيه ضباط الجيش والشرطة والقضاة في نعيم السيسي بالزيادات والبدلات والحوافز المتكررة، والتي لا يعرف فيها السيسي التقشف الذي يطالب به الغلابة، بل ويتوسل إليهم أن يصبروا ويربطوا على بطونهم طالما أنه بقي في الحكم، من أجل تأمين مستقبله وعدم تكدير فترة ولايته.