في «5» مشاهد كارثية.. هكذا مزّق الانقلاب الشعب ونسف الوحدة الوطنية

- ‎فيأخبار

 كتب: يونس حمزاوي
لا شك أن انقلاب العسكر في 3 يوليو 2013 على أول رئيس مدني منتخب هو الدكتور محمد مرسي، وإجهاض مكتسبات ثورة 25 يناير، وما تبع ذلك من مذابح على يد عصابة العسكر والأجهزة الأمنية أسست لأبشع مراحل التمزق المجتمعي وانقسام الشعب بصورة مخيفة.

ومن ينظر إلى الحالة المصرية نظرة تحليل وتأمل يدرك حجم هذا التمزق والانقسام، فعلى المستوى الديني هناك المسلمون والنصاري والشكوك بينهم تتعاظم، لا سيما بعد مواقف الكنيسة الموالية للعسكر على طول الخط، والمحرضة باستمرار ضد المسلمين، وخصوصا أولئك الذي يرغبون في تطبيق الشريعة الإسلامية.

وهذا التقسيم الطبقي بين الأثرياء والفقراء، ومع القرارات الكارثية لقائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، في 3 نوفمبر 2016، وأهمها تعويم الجنيه، تآكلت الطبقة الوسطى وبدأت في التلاشي، يعزز من هذا المشهد المأساوي أن هناك وظائف ومناصب محجوزة مسبقا لأبناء طبقة الأثرياء والمقربين من النظام العسكري، مثل القضاء والشرطة والجيش والسلك الدبلوماسي، فلا يتم التوظيف إلا للمقربين فقط من أبناء طبقة الأثرياء، بل يتم طرد أبناء الفقراء بحجة عدم الكفاءة الاجتماعية!.

وفي هذا التقرير نرصد عدة صور تعكس حالة الانقسام والتمزق المجتمعي التي تأسست بفعل الانقلاب، وصلت حد الحرب الأهلية في شبه جزيرة سيناء، ومقتل الآلاف سواء من الأهالي أو حتى الضحايا من صغار الضباط والمجندين في الجيش والشرطة.

«أحزاني العادية»

من اللافت أن الشاعر عبدالرحمن الأبنودي- عليه رحمة الله- في قصيدته "أحزاني العادية"، عبَّر عن هذه المعاني الطبقية قبل أن يتحول هو إلى جزء من هذه الطبقة الاحتكارية ويدعمها بعد انقلاب 3 يوليو.

يقول الأبنودي: "إحنا شعبين.. شعبين.. شعبين.. شوف الأول فين.. والتاني فين.. وآدى الخط ما بين الاتنين بيفوت"، وهي قصيدة استخدمها الأديب أحمد خالد توفيق ليعبر عن الفكرة نفسها، بشكل أكثر وضوحا في روايته "يوتوبيا"، التي تصور انقسام مصر إلى قسمين: الأول بالغ الثراء ويسكن في مدينة "يوتوبيا" المحاطة بسور ويحرسها الجنود المدججون بالسلاح، والثاني يعيش في فقرٍ مدقعِ، ويتقاتل سكانه من أجل الطعام، بحسب الكاتب أسامة الرشيدي، في مقاله له عن "ذعر الطبقة العليا في مصر".

وللمفارقة، نشرت إحدى الصفحات المعبرة عن سكان "كومباوند" فاخر صورة مقسمة إلى قسمين، يفصل بينهما سور كبير، الأول لمجموعة بيوت راقية والآخر لسكان العشوائيات، وهو معنى رواية "يوتوبيا" بالضبط، لكن الصفحة وجدت تلك الصورة سببا كافيا لشكر الله على نعمة "السكن الآمن الآدمي الراقي" على حد قولها، متجاهلةً أن انقسام المجتمع إلى تلك الصورة أكبر خطر على مصر، وعلى الطبقة العليا أيضا؛ لأن الانفجار الذي أصبح قريبا جدا ومجرد مسألة وقت سيطالها، ولن تفلح معه أي أسوارٍ تعطي إحساسا زائفا بالأمان الكاذب.

«إحنا شعب وإنتو شعب»

«إحنا شعب وإنتو شعب.. رغم إن الرب واحد لينا رب وليكو رب».. بهذه الكلمات التي غناها المطرب المختفي منذ عقود علي الحجار، من تأليف مدحت العدل، رسم صورة مأساوية للوضع في مصر الانقلاب، عكس فيها كل سمات المرحلة من تكفير ديني وسياسي ووطني.

بهذا الكلمات حكم الحجار وكل من روج لهذا الانحطاط لتكفير كل مخالفي السيسي الذين يؤيدون الرئيس المدني المنتخب الدكتور محمد مرسي، فربهم غير رب الحجار، وهم شعب يختلف عن شعب قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي.

إذا الأغنية تروج للتكفير على أساس ديني، وتنزع الوطنية عن معارضي الانقلاب، وجعلت الشعب الواحد شعبين وربما أكثر، فكل من يرفض انقلاب العسكر هو إذا من الشعب الثاني.

السخرية من أبو تريكة

هذا وشهدت الأسابيع الماضية ظواهر عديدة، تكشف عن "ذعر" الطبقة العليا ورعبها من المستقبل القادم. ومع استمرار تردّي الأوضاع داخل البلاد، وضبابية المستقبل المتزايدة، كان الهجوم الطبقي والعنصري ضد نجم الكرة العربية والمصرية محمد أبو تريكة، آخر تجليات تلك الظاهرة، فاللاعب السابق لم يثبت له أي انتماء لأية تنظيمات إرهابية، وحصل على حكمين قضائيين بعدم جواز مصادرة أمواله من الانقلاب.

ورغم ذلك خرجت الممثلة داليا البحيري تهاجمه بشدة، ولم تجد سببا لذلك، إلا أن "شكله" يوحي بأنه إرهابي، على حد قولها، وأن في ملامح وجهه "لؤم الفلاحين"، وهي لهجة الباشوات نفسها، ممن كانوا يستعبدون الفلاحين المصريين في القرنين التاسع عشر والعشرين، رغم أن هذه الممثلة من محافظة الغربية، إحدى معاقل الفلاحين في مصر.

ورأينا هجوما طبقيا آخر من صاحب مطعم، قال عن أبوتريكة إنه يشبه أعضاء هيئة التدريس في جامعة الأزهر، وعلى الرغم من أن أحدا لم يفهم وجه الانتقاد في أن يكون أبوتريكة يشبه هؤلاء على فرض صحة المقارنة، إلا أنه يبدو أن المدعو صاحب المطعم وجد ذلك سببا كافيا للهجوم على اللاعب الشهير واعتباره "إرهابيا".

احتكار الوظائف الكبرى للأثرياء

وبحسب الرشيدي، فقد امتدت ظاهرة "المقابلات" التي تتخذ طابعا طبقيا إلى كل مناحي الحياة في مصر، حتى إن المدارس تقوم بعمل مقابلات مع والد الطفل ووالدته لقياس مستواهما الاجتماعي والمعيشي، قبل التكرّم بالموافقة على إلحاق الطفل بالمدرسة. لكن هذه الظاهرة بدأت أصلا خلال اختبارات إلحاق المتقدمين بوظائف الدولة السيادية، مثل الالتحاق بالكليات العسكرية وكلية الشرطة ومؤسسات القضاء والعمل الدبلوماسي. لكن الهدف منها تحول من بحث مدى صلاحية المتقدمين من حيث الكفاءة للالتحاق بتلك الوظائف، إلى بحث حالتهم الاجتماعية، وما إذا كانوا ينحدرون من أسر غنية تتمتع بالثراء الكافي، وبالواسطة والمحسوبية المطلوبة، حتى لا يقتحم الدائرة أحد من "الغرباء" أو "الأغيار" من الناس العاديين. ونظرة واحدة إلى كشوف الملتحقين حديثا بكلية الشرطة أخيراً تكشف عن وجود أبناء عشرات من أعضاء البرلمان في الدفعة، وكذلك وجود أفراد عديدين ينتمون إلى عائلة واحدة، يوجد فيها عشرات من الضباط والقضاة والفئات الأكثر ثراءً.

استبعاد أبناء الفقراء من الوظائف السيادية

هذا وقد عبّر وزير العدل الأسبق بحكومة الانقلاب محفوظ صابر، عن تلك الحالة بوضوح شديد، عندما قال "إن ابن عامل النظافة لن يسمح له بالالتحاق بالعمل في النيابة العامة".

وعلى الرغم من إقالته بعد هذا التصريح، إلا أن الجميع تقريبا يعرف أن تلك العقلية متحكمةٌ
تماما في عملية اختيار الملتحقين بوظائف الدولة الحساسة والسيادية، وفات على الذين شعروا بالسعادة من إقالة الوزير أن مجلس القضاء الأعلى بنفسه قد صرح قبل أكثر من ثلاث سنوات بما قاله الوزير، عندما استبعد المجلس 188 من الملتحقين بالنيابة العامة، كان الرئيس محمد مرسي قد اعتمدهم قبل أيام من الانقلاب عليه. وقيل، بمنتهى الصفاقة، إن هناك معايير جديدة لاختيار الملتحقين بالنيابة، أهمها اشتراط حصول الوالدين على مؤهل تعليم عال، والتأكد من المستوى المادي لأسر المتقدمين، أي أنه ليس للمصريين الحق في أن يطمحوا للالتحاق بالنيابة إذا كانوا فقراء، أو إذا كان الوالد أو الوالدة لم يحصلا على مؤهل عال، وهو ما أدى إلى وفاة والد أحد الطلبة المتفوقين المستبعدين؛ بسبب إحساسه بأنه كان السبب في حرمان ابنه من تحقيق حلمه، ولم تحدث أية ضجةٍ حينها، بعدما تم تغليف الأمر في وسائل الإعلام بالحجة المعهودة عن انتماء المستبعدين لجماعة الإخوان المسلمين!.

والأغرب أن والد محفوظ صابر نفسه لم يحصل على مؤهلٍ عال. ومع ذلك، كان يريد منع الآخرين الذين هم في مثل ظروفه من الوصول إلى ما وصل إليه، وكان وزير العدل السابق، أحمد الزند، قد تحدث أيضا عن الأمر نفسه عام 2012، عندما أكد استمرار تعيين أبناء القضاة في النيابة، واصفا ذلك بأنه "زحفٌ مقدس". وقال أيضا إنهم "السادة" وغيرهم هم "العبيد".

ونذهب بعيدا أكثر من هذا، لنذكّر بقضية عبدالحميد شتا الذي انتحر بعد استبعاده من التعيين في وزارة الخارجية، بحجة أنه "غير لائق اجتماعيا"، على الرغم من أنه كان الأول على جميع المتقدمين، فقط لأن والده فلاح بسيط.