كتب سيد توكل:
«المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يُخَالِل » حديث نبوي يحفظه تلاميذ المرحلة الابتدائية عن ظهر قلب، بينما نسيه قضاة نظام السيسي الغارقون في الرشوة والمخدرات والجنس، وفاحت رائحتهم العفنة وتورطوا في اتهامات بالفساد، انتهت بهم بعيدا عن سلك القضاء أو في السجن.
أسياد الشعب
ظل القضاة يتمتعون بحصانة من كل الاتجاهات، وأيقن البعض منهم أن بإمكانهم فعل كل شيء بحكم نفوذهم وعلاقاتهم، وزاد هذا النفوذ مع وصول أحمد الزند وزيرا للعدل، مع بداية انقلاب عبد الفتاح السيسي، حيث يتذكر كثيرون مقولته الشهيرة “القضاة هم أسياد الشعب، ولن تستطيع قوة في مصر أن توقف زحفهم المقدس نحو المزيد من الحصانة".
وترسّخت في وجدان البيض الفاسد، فرضية أنهم “فوق القانون”، وأن يد العقاب لن تطالهم، أو أنه لأنهم هم الذين يُفعّلون ويطبّقون القوانين فبإمكانهم أن يفلتوا من العقوبة والقانون، إذا ما توقفت عندهم عقارب الزمن وحان وقت التفتيش في دفاترهم القديمة.
ولا عجب أن القضاء الوحيد الذي تم ذكره في القرآن الكريم هو القضاء المصري، حين حكي لنا الله تعالى عن أفسد نموذج للقضاء والقضاة، فبعد أن تيقن القاضي من براءة المتهم،- نبي الله الصديق يوسف عليه السلام-، وفساد دعوى امرأة العزيز والتي راودته عن نفسه والآيات واضحة "قميصه قد من دبر" ،والقضية محسومة، حكم قضاؤنا الشامخ من يومه على البرئ ليسجننه حتى حين.
فخلال السنوات الثلاث الماضية، أعلنت سلطات الانقلاب عن تورط بعض القضاة في قضايا عُرفت بالتهم الموجهة لهم، كـ"قاضي الحشيش"، وقاضي "الرشوة الجنسية"، وقاضي "الرشوة الكبرى"، وقاضي "الصور الفاضحة"، وهكذا.
الأمر الذي جعل مجلس القضاء الأعلى، يحاول الردم على سلسلة لا تنتهي من الفضائح بقرار حظر نشر القضاة والمستشارين وأعضاء النيابة العامة، لأي أخبار تتعلق بشؤون القضاء والقضاة على كافة المواقع الإلكترونية أيًّا كانت طبيعتها أو طبيعة القائمين عليها.
المجلس العسكري متواطئ
يأتي ذلك خلال دراسة تداعيات القضية الخاصة بانتحار أمين عام مجلس الدولة السابق المستشار وائل شلبي، خلال حبسه في هيئة الرقابة الإدارية، على خلفية قضية الرشوة الكبرى التي تم ضبط فيها موظف مجلس الدولة وفي حوزته 150 مليون جنيه، والحديث عن تواطؤ مستشارين بالمجلس مع المتهم على رأسهم المستشار المنتحر.
وفوجئ متابعو القضية، التي صُنّفت “الأبرز” في ختام العام 2016، بأن "شلبي" كان ضمن قائمة طويلة من شخصيات قضائية، رفع مستشارون في مجلس الدولة الاتهام بحقها عام 2011 إلى المجلس العسكري الذي تولى زمام الحكم في البلاد بعد رحيل نظام مبارك، بأنها شخصيات أفسدت الهيئة، وقامت بارتكاب وقائع فساد عديدة، وطالبوا آنذاك بتدخل فوري للتحقيق في هذه الوقائع، لكن يبدو أن الظروف السياسية في البلاد وقتها لم تكن سانحة لفتح هذا الملف الشائك.
وأثارت قضايا الفساد في مؤسسة القضاء ردود أفعال واسعة في الشارع المصري، خاصة بعد استغلال قائد الانقلاب لهذا الفساد في مساومة القضاة على قضايا كبيرة مثل التفريط في تراب الوطن، وعلى رأسها قضية تيران وصنافير.
الفساد أسرة واحدة
وفتح انتحار المستشار وائل شلبي، الباب على مصراعيه أمام العديد من التأويلات، وبينما ذهب الكثير من المحللين إلى أن الانتحار وراءه أسباب نفسية، أكد آخرون أن هيبة القضاة المصريين وحصاناتهم الموروثة، باتت على المحك، وأن سلطات العسكر أصبحت الآن مطلقة اليدين في تعقب نفوذهم والتحكم فيهم.
وفي عهد المخلوع مبارك لم يكن بإمكان الجهات الرقابية أن تفصح عن القضايا التي يتورط فيها قضاة، سواء كانوا ذوي نفوذ، أو حتى مجرد قضاة حديثي العهد في المهنة، إما لأن النظام الحاكم يخشى الصدام مع السلطة القضائية بتشويه صورتها، وإما لتجنب إثارة الشكوك حول سمُعة القضاء كمؤسسة يفترض أنها نزيهة ومستقلة وبعيدة عن الشبهات.
وبسبب ما أحاطه القضاة على مناصبهم من تحصين، وتقديم أنفسهم إلى المجتمع على أنهم شخصيات يُحظر الاقتراب منها، أو التفتيش في ملفاتها، أو حتى الاعتراض على توريث وظائفها لأبنائها وأقاربها، زاد الاحتقان الشعبي جراء هذه الطريقة، لا سيما خلال سنوات الانقلاب الأخيرة التي ظهر فيها القضاة وكأنهم “قدس الأقداس”، الذي لا يجوز المساس به.