عيّن الرئيس المنتخب دونالد ترامب صديقه المحامي اليهودي ديفيد فريدمان "57 عاما"، المؤيد لليمين الإسرائيلي، في منصب سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل، وهو من أنصار بناء المستوطنات في الضفة الغربية ولا يعترف بدولة فلسطينية مستقلة، ما يشكل مع نوايا ترامب فرصة لنقل السفارة الأمريكية في تل أبيب للقدس، آخر فصول ما يسمى بـ"الدولة الفلسطينية"، وانتهاء عصر ما يسمى بـ"السلام".
ونقلت وسائل إعلام أمريكية، عن فريدمان قوله، تعقيبا على ذلك: إنه "ينتظر بفارغ الصبر تعيينه في هذا المنصب من أجل العمل على تعزيز علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة، من السفارة الأمريكية في القدس بصفتها عاصمة إسرائيل الأبدية".
وأثارت أنباء تعيين "فريدمان" بهجة في الدول الصهيونية، وقال مسئولون صهاينة "إن سفير ترامب الجديد "يميني" ومؤيد متحمس للاستيطان في الأراض المحتلة، وسبق له أن أكد أن ترامب سوف يدعم ضم أجزاء من الضفة الغربية إلى إسرائيل في حال فوزه في انتخابات الرئاسة الأمريكية".
وفريدمان يهودي أمريكي، يرافق ترامب منذ 15 عاما كمحام متخصص في العقارات وقضايا الإفلاس، وخلال الحملة الانتخابية، عينه ترامب مستشارا له لشئون إسرائيل إلى جانب جيسون غرينبلات.
وكانت مصادر سياسية إسرائيلية رفيعة قد ذكرت أن مساعدي ترامب بدءوا، هذا الأسبوع، في إجراء اتصالات مع الجهات الإسرائيلية المعنية، حول نقل مقر السفارة الأمريكية إلى القدس.
كما أكدت مستشارة الرئيس الأمريكي المنتخب "كالي آن كونوي" أن ترامب مصمم على نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس بعد أن يتسلم مهمات منصبه يوم 29 يناير المقبل، وذلك تنفيذا لوعوده أثناء حملته الانتخابية، بأن الإدارة الأمريكية برئاسته سوف تعتبر القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، وستقوم بنقل السفارة الأمريكية إليها.
الدولة الفلسطينية ليست مصلحة أمريكية
وتقول صحيفة "هآرتس" العبرية، إن السفير الأمريكي الجديد في الدولة الصهيونية "فريدمان"، مؤيد قوي لليمين الصهيوني، وإنه "على صلة بأنشطة خيرية فيها، جزء كبير منها يتعلق بالمستوطنات في الضفة الغربية، كما أنه يترأس، من بين مواقع أخرى، منظمة الأصدقاء الأمريكيين لمستوطنة بيت– إيل التي حولت في السنوات الأخيرة ملايين الدولارات إلى المستوطنات.
وفي مقابلة أجراها معه باراك رابيد في "هآرتس"، في نهاية يونيو الماضي، توقع فرديمان أن يدعم ترامب إذا ما نجح في الانتخابات، ضم أجزاء من الضفة الغربية إلى إسرائيل، وأشار إلى أنه "من غير المتوقع أن يتبنى ترامب الموقف القائل بأن دولة فلسطينية هي مصلحة قومية بالنسبة للولايات المتحدة"، وهي الفكرة التي تمسك بها الرئيسان السابقان جورج بوش وباراك أوباما.
وردا على سؤال: هل يؤيد ترامب إقامة دولة فلسطينية مستقلة؟ أجاب فريدمان في وقت سابق: "الجواب هو كلا، ليس من دون موافقة إسرائيل، هذا موضوع يجب أن تهتم به إسرائيل وحدها؛ لأنها هي التي ستضطر إلى تحمل انعكاساته".
وتابع "الإسرائيليون هم الذين يجب أن يتخذوا القرار فيما إذا كان عليهم التنازل عن جزء من الأرض لإنشاء دولة فلسطينية أم لا، وإذا كان الإسرائيليون لا يريدون ذلك، فإن ترامب لا يعتقد أنهم يجب أن يفعلوا ذلك، إن هذا خيارهم، وهو لا يعتقد أن قيام دولة فلسطينية مستقلة يجب أن يكون موضوعا ملزماً للولايات المتحدة".
وأضاف فريدمان "إذا قرر الإسرائيليون القيام بذلك (إنشاء دولة فلسطينية) من أجل تعزيز أمنهم على المدى البعيد، الأمر الذي لدينا شكوك كثيرة في شأنه، فسنحترم قرارهم، وإذا تغيرت الظروف وكان هناك سبب للتفاؤل، فإننا سنحترم ذلك، لكن الوقائع الحالية لا تجعل من قيام دولة فلسطينية ضرورة بالنسبة للولايات المتحدة".
ومعنى هذه التصريحات أن فكرة الدولة الفلسطينية لم تعد مقبولة للطرف الأمريكي، ما يشكل تحولا في الموقف الرسمي الأمريكي لأول مرة منذ نشأة القضية الفلسطينية، وهو موقف سياسي يُسهل بالتالي فكرة نقل السفارة الامريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة للدولة الصهيونية، ما يعيد فكرة "السلام" التي بنيت عليها المفاوضات منذ 1993 عقب "أوسلوا" إلى المربع "صفر"، ويعظم خيار المقاومة المسلحة لاستعادة الأرض المحتلة.
"نيويورك تايمز" تحذر من اختياره
وقد حذرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، اليوم السبت، من اختيار الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، لديفيد فريدمان سفيرا جديدا لواشنطن لدي إسرائيل.
وقالت "نيويورك تايمز"، في مقال افتتاحي نشر اليوم السبت، "إن ترامب من حقه مثل أي رئيس منتخب أن يرشح من يراه مناسبا في إدارته الجديدة، ولكن مع اختياره لفريدمان، فإنه يظهر بذلك تجاهلا أو عدم اكتراث خطير بالألغام الأرضية التي تنتشر عبر الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن المسئولية تقع على كاهل مجلس الشيوخ الأمريكي (لرفض هذا الترشيح) لحماية ترامب والولايات المتحدة من اتخاذ هذه الخطوة الطائشة".
وأضافت "أن ترامب ربما أراد بذلك الاختيار التعبير عن رغبته في السعي من أجل السلام في الشرق الأوسط، دون أن يدرك للأسف أن من اختاره لأداء هذه المهمة سيميل على الأرجح إلى إثارة النزاع في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، فضلا عن تصعيد حدة التوترات في المنطقة وتقويض القيادة الأمريكية".
وقالت الصحيفة الأمريكية، "إن فريدمان، لا يمتلك أية خبرة دبلوماسية، بخلاف جميع السفراء الأمريكيين تقريبا الذين خدموا في هذا المنصب الأكثر حساسية، وهذا الأمر قد لا ينذر بمخاطر شديدة إن لم يكن يعتنق آراء متطرفة تتعارض بشكل جذري مع السياسة الأمريكية ومع آراء معظم الأمريكيين".
وأشارت الصحيفة إلى أن فريدمان لطالما تشكك في جدوى حل الدولتين، والذي بموجبه يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون جنبا إلى جنب في سلام.. وفي تجاهل صريح منه للقانون الدولي ولعقود من الدبلوماسية قضتها الإدارات الديمقراطية والجمهورية على السواء، أيد فريدمان استمرار الاستيطان الإسرائيلي داخل الأراضي المحتلة في الضفة الغربية.
وشككت في كفاءة فريدمان لتولى هذا المنصب، لافتة إلى أنه اتهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما بمعاداة السامية واعتبره سخيفا، كما وصف أنصار "جي ستريت"، وهي منظمة يهودية أمريكية ليبرالية تناضل من أجل تطبيق حل الدولتين وإبرام اتفاق نووي مع إيران، بأنهم أسوأ من اليهود الذين تخلوا عن إخوانهم اليهود في معسكرات النازيين.
وفي دلالة جديدة على حماس فريدمان الواضح للمواجهة بدلا من البراعة الدبلوماسية، أشارت الصحيفة إلى أن فريدمان صرح بأنه يتوقع أن يكون مكتبه في القدس بدلا من تل أبيب؛ حيث توجد السفارة الأمريكية منذ 68 عاما بجانب غيرها من سفارات الدول الأخرى.
ونبهت الصحيفة إلى أن دونالد ترامب تعهد، خلال حملته الانتخابية، بنقل مقر السفارة الأمريكية إلى القدس، مبينة أن بيل كلينتون وجورج دابليو بوش تعهدا بذات الشيء عند خوضهما الانتخابات الرئاسية للمرة الأولى، لكنهما تراجعا عن الفكرة لاحقا بعد فوزهما في الانتخابات، بعد أن أدركا أن هذه اللفتة المفعمة بالرمزية ستغضب العرب وتقوض جهود السلام.