كتب سيد توكل:
..تستهدف تصفية الثورة
شهدت مصر انهيارات خطيرة متتالية في أرضية القانون منذ الانقلاب العسكري على تجربتها الديمقراطية الوليدة، قبل ما يزيد عن ثلاث سنوات عجاف، حيث لا تبشر هذه الانهيارات في مجموعها إلا إمعان النظام الديكتاتوري القمعي، ومحاولته محو التجربة الديمقراطية القصيرة من الذاكرة، والتي عاشتها مصر في عهد الرئيس المنتخب محمد مرسي.
وفي هذا السياق القمعي القانوني تعقد إدارة التشريع في وزارة العدل بحكومة الانقلاب اجتماعات مكثفة مع عدد من ممثلي أندية القضاة ومحاكم الاستئناف لوضع مشروع جديد لتعديل قانون الإجراءات الجنائية، يسمح بالإسراع في تأييد أحكام الإدانة الصادرة ضد الأحرار في هزليات "الإرهاب والعنف والتظاهر".
وينتمي أغلب المتهمين في تلك الهزليات إلى جماعة الإخوان المسلمين، دون أن تصل القضية إلى محكمة النقض في فرصة الطعن الأولى، على أن تصل القضية إلى محكمة النقض فقط عند الطعن على ثاني حكم جنائي يصدر في نفس القضية.
اعتداء عسكري غير مسبوق
واعتبر محمد عبدالعزيز، مدير مركز الحقانية للمحاماة والقانون، التعديلات على قانون الإجراءات الجنائية "كارثة من كوارث النظام"؛ لأنها تهدد كل القضايا الجنائية، خاصة القضايا المتعلقة بالتعذيب، والتي تعتمد بشكل كبير على الشهادة.
وأكد مدير مركز الحقانية فى تصريحات صحفية أن المشروع يغل يد المحامي عن حقه في إثبات جدلية الشهادة من خلال مناقشة الشهود، كما أنها لم تحدث من قبل في تاريخ القانون.
وأوضح "عبدالعزيز" أن المادة 227 كانت تسمح باستدعاء الشهود بناء على طلب الخصوم بواسطة أحد المحضرين أو أحد رجال الضبط، ويجوز أن يحضر الشاهد في الجلسة بغير إعلان بناء على طلب الخصوم، وللمحكمة أثناء نظر الدعوى أن تستدعي وتسمع أقوال أي شخص ولو بإصدار أمر الضبط، وللمحكمة أن تسمع شهادة أي إنسان يحضر من تلقاء نفسه لإبداء معلومات في الدعوى، مشيرًا إلى أن التعديلات وضعت تلك السلطات كلها في يد القاضي.
ويمثل المشروع، المتداول حالياً في الدوائر القضائية، اعتداءً غير مسبوق على سلطة محكمة النقض في نظر جميع الطعون على الأحكام الجنائية. الوضع القائم حالياً هو إتاحة فرصتين للطعن أمام المدانين في قضايا الجنايات، فبعد أن تصدر محكمة الجنايات أول حكم يجوز للمدان أن يطعن أمام محكمة النقض.
ويجوز للنيابة العامة الطعن أمام النقض أيضاً على أحكام البراءة أو العقوبات المخففة، ثم تملك محكمة النقض خياراً من ثلاثة؛ إما أن تؤيد الحكم بالكامل أو تؤيده موضوعاً وتعدل العقوبة أو تعيد القضية لدائرة أخرى بمحكمة الجنايات لإعادة المحاكمة.
وهذا الأمر الأخير هو ما يحدث في نحو 90% من القضايا الجنائية في مصر، وبصفة خاصة ما توصف بقضايا "الإرهاب"، نظراً لضعف تسبيب أحكامها وضخامة عدد المتهمين في كل قضية.
وبعد إعادة المحاكمة في دائرة جنايات أخرى يجوز للمدان أو النيابة الطعن مرة ثانية أمام محكمة النقض، وهنا تملك المحكمة خياراً من اثنين؛ إما أن تؤيد الحكم أو تنقضه وتتولى بنفسها محاكمة المتهمين موضوعياً، وتصدر عنها في الحالتين أحكام باتة لا يمكن الطعن عليها.
وبغض النظر عن التبريرات التي يسوقها مبررو إجهاض الديمقراطية المصرية، فإن الآثار القانونية المترتبة على ذلك، تنذر بمستقبل أسود المعالم، على المستويين الداخلي والدولي، فيما يتعلق بالقوانين الدولية وقوانين حقوق الإنسان على وجه الخصوص.
جرائم قانونية تستحق الإعدام
وفي سياق تفاصيل الانتهاكات القانونية التي قام بها الانقلابيون في مصر، لابد من الإشارة إلى أن انتهاكات دستورية خطيرة حدثت منذ الثالث من يوليو 2013 ، فأول وأخطر انتهاك دستوري وقع فيه وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، هو الانقلاب العسكري الذي قام به على الرئيس المنتخب.
الأمر الذي يُعتبر "جريمة خيانة" في القانون العسكري المصري، ولا يترك القانون المصري استثناء واحدا لقبول قلب نظام الحكم، كتلك التي يزعمها الانقلابيون، كما يحدد القانون بأن عقوبة مرتكب جريمة الخيانة هي الإعدام.
ولا تقف هذه التهمة عند وزير الدفاع وحده، وإنما تتعداه لتشمل كل من يثبت تواطؤهم وإعانتهم على الانقلاب، وعلى وجه الخصوص، الذين ظهروا مع الفريق السيسي ساعة إلقائه خطاب الانقلاب بمن فيهم الدكتور محمد البرادعي، وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ونيافة بابا الكنيسة الأنبا تواضروس وآخرون.
والانتهاك الثاني للقانون الذي وقع فيه السيسي، هو إيقاف العمل بالدستور الذي صوت عليه الشعب المصري بنسبة تقارب الثلثين.
وهذا أمر يتجاوز صلاحيات السيسي الذي أعلن الانقلاب، إذ بحسب الدستور المصري، لا يحق حتى لرئيس الدولة أن يوقف العمل بالدستور، بل ولا بمادة من مواده.
وتبعاً لذلك، فإنه وبحسب القاعدة القانونية المعروفة "كل ما بني على باطل فهو باطل"، فإن كل القرارات اللاحقة والأحكام القانونية الصادرة عن الانقلاب وأذرعه القضائية أو أي سلطة أخرى بعد 30 يونيو 2013، باطلة ما لم تكن موافقة للدستور الذي تم التصويت عليه في عهد الرئيس المنتخب محمد مرسي.
ولا يسمح، وفق المشروع الجديد، للمدانين أو النيابة العامة بالطعن أمام محكمة النقض إلّا بعد إعادة المحاكمة. وهو ما يعني أن محكمة النقض لن تتصل بأي قضية أكثر من مرة واحدة فقط، على عكس النظام القضائي المصري المتبع منذ تأسيس هذه المحكمة عام 1931.
وكشفت مصادر قضائية عن أن "المشروع يهدف في الأساس لإنهاء القضايا الجنائية الخاصة بقيادات جماعة الإخوان بسرعة"، مستشهدة بالتأخير الشديد في إصدار محكمة النقض أحكامها في الطعون الأولى بقضايا مختلفة كـ"اقتحام السجون، والتخابر مع حماس، والتخابر مع قطر" المتهم فيها جميعاً الرئيس محمد مرسي ومعظم قيادات الصف الأول في الإخوان.
وتوضح المصادر أن الانقلاب استصدر من قسم التشريع في مجلس الدولة، تعديلا يسمح بإسقاط الاتهامات الغيابية بحق رجال الأعمال ورموز نظام المخلوع حسني مبارك من دون أن يضطروا للعودة لمصر، وذلك بالاكتفاء بمثول المحامين عنهم أمام المحكمة.