كتب سيد توكل:
على مساحة 58 كيلو مترًا مربعًا تمتد منطقة الضبعة النووية شمالي غربي جمهورية مصر العربية، تلك المنطقة التي ثار حولها جدل علمي وسياسي واقتصادي طويل منذ الإعلان عن اختيارها لإقامة محطة للطاقة النووية، وبعد فترة من معارضة أهالي الضبعة بمحافظة مطروح، لمشروع بناء محطة الضبعة النووية خوفا من تعرضهم لإشعاعات نووية تهتك بهم وبأبنائهم، تم وضعهم تحت اختيارين "القبول بالمشروع النووي أو التهجير"، ليلحقوا بأهالي سيناء، حتى قبلوا العيش بجوار المحطة النووية، وسط مصير مجهول للنفايات النووية التي ستنتج عن المفاعل.
وتجددت مخاوف أهالى مدينة الضبعة، من إعادة تهجيرهم من أراضيهم ومنازلهم، بعدما أعلنت هيئة الطاقة النووية عن تحديد دائرة للأمان النووى، بالموقع المزمع إنشاء أول محطة نووية لتوليد الطاقة، على الرغم من "فنكوش" إنشاء مدينة سكنية جديدة للمتضررين من المشروع وعد بها السيسي.
وقال فايز رشوان -أحد أهالى منطقة الضبعة- "إننا لا نريد شيئًا من الدولة سوى توفير حقوقنا المشروعة"، موضحًا أنهم لم ولن يقفوا يومًا فى طريق مصلحة الشعب المصرى، “مع العلم أنه يوجد شعور مؤكد لدينا أن المشروع لن يقام بسبب صرف الدولة الملايين عليه أكثر من مرة منذ عام 1981، وإيقافه بعدها أكثر من مرة بدون أسباب واضحة، وهو ما خلق حالة من اليأس داخلنا بسبب مخالفتهم للوعود، وشعرنا بالإحباط، خاصة بعد خسارة أراضينا التى لم نستفد منها بشيء حتى الآن".
وأضاف رشوان أن "تخوفنا الوحيد هو خطورة المشروع، ففي خلال الفترة الماضية حضر الدكتور خليل ياسو رئيس هيئة المحطات النووية إلى الأرض وأمرنا بهدم مبنى كان به إشعاع نووى، وهذه الحادثة جعلت بداخلنا شيئًا من الشك".
والسبت الماضي أطلقت سلطات الانقلاب فعاليات الحوار المجتمعي لمشروع الضبعة النووي بحضور أهالي المدينة الساحلية، الذين استجابوا لإرهاب سلطات الانقلاب ورضخوا للمشروع الذي قاوموه سابقًا، وقال إسماعيل شاهين، عضو اللجنة التنسيقية لأهالي الضبعة، مخاطبًا الحضور: "سنحمي مشروعنا القومي العملاق بدمائنا وأرواحنا، نعم، يا فخامة (….) أهالي الضبعة يقولون لك، نحن على قدر المسئولية".
قمع أهالي الضبعة
ودشن المؤتمر قبول الأهالي لبناء المفاعل بمدينتهم، بعد أن اعتصموا في أعقاب ثورة 25 يناير على الأرض المخصصة له احتجاجًا على طردهم منها عام 2003.
وزعم محافظ مرسى مطروح، في تصريحات نقلتها عنه جريدة الأهرام إن الأهالي "لم ينخدعوا بالشائعات المغرضة حول الآثار السلبية للمشروع، ولم يتأثروا بتلك الأفكار التي كانت تريد إبعاد المشروع عن منطقتهم".
وقال حمدي حفيظ، عضو اللجنة التنسيقية لأهالي الضبعة وأحد مؤسسي رابطة شباب الضبعة، إن الاحتجاج على المشروع في السابق كان «لأسباب حقيقية، والأساس فيها هو المضي فيه دون الرجوع إلى الأهالي، وهو الأسلوب الذي انتهجه الفريق عبدالحميد الشحات محافظ مرسى مطروح الأسبق عندما أجبر الأهالي على ترك الأرض التي خصصت للمشروع عام 1981 دون سابق إنذار وأقام سورًا حولها.
وفي تقرير حقوقي أصدرته المبادرة المصرية في 2012 أكدت أن الانتهاكات التي طالت أهالي الضبعة جراء المشروع النووي، وتضمنت تعويضًا غير عادل عند تخصيص الأرض في 1981، وتهجيرًا وتشريداً بشكل قسري عام 2003، فضلًا عن تدمير ممتلكات، منها منازل ومزروعات وآبار، والتمييز ضدهم من حيث عدم تقديم خدمات اجتماعية تمكن أهل الضبعة من تحقيق مستوى معيشي لائق.
وكانت تلك الانتهاكات هي السبب وراء اعتصام الأهالي بالأرض في نوفمبر 2011، والذي فضته قوات الأمن في يناير 2012، بحسب حفيظ، الذي كانت لديه شكوك حول أمان وجدوى المشروع حتى 2015.
ومطالب الأهالي شملت "تعويض عادل لأصحاب الأرض التي أخذت منهم ضمن الـ2300 فدان المخصصة للمشروع، وإقامة الدراسات الجادة عن آثار المحطة الصحية والبيئية للمشروع، حيث كان الأهالي خائفين من تكرار حوادث كالتي حدثت في مفاعلات نووية في الخارج، وأن يكون لأهالي المدينة منفذ على شاطئ البحر وأن يتم الإفراج عمن قبض عليهم إثر فض الاعتصام في يناير 2012 وأن تحفظ الدعاوى المقامة ضد آخرين شاركوا فيه".
الملف مع المخابرات
يقول المحامي الحقوقي المؤيد للانقلاب، حمدي خلف، إن ملف التعامل مع الأزمة انتقل في 2013 إلى المخابرات الحربية، التي أوصلت طلبات الأهالي إلى السيسي، الذي كان وقتها وزيرًا للدفاع.
فيما قال وزير الكهرباء في حكومة الانقلاب، محمد شاكر، في المؤتمر إن المفاعل النووي الروسي يحقق أعلى متطلبات الأمان عالميًا حيث تتوفر أنظمة الأمان بالمفاعلات الروسية على مستوى غير مسبوق. وقال في تصريحات صحفية يومها إن المشروع ضمن إستراتيجية قومية لتكوين مركز لتبادل الطاقة في المنطقة.
ولا يزال مصير النفايات النووية التي ستنتج عن المفاعلات عالقا، فمسئولو هيئة الرقابة النووية والإشعاعية في مصر لم يقدموا معلومات واضحة عنها.
وكان اتفاق بين سلطات الانقلاب وروسيا على قرض بقيمة 25 مليار دولار في 2015 لإنشاء أربع مفاعلات بمثابة قبلة الحياة للمشروع الذي ظل مجمدًا منذ تخصيص الأرض له عام 1981. ويسدد القرض على مدار 22 عامًا بدءًا من عام 2029 بفائدة نسبتها 3%.
وستصدر المفاعلات طاقة قدرها 4800 ميجاوات، بواقع 1200 لكل مفاعل، أولها مزمع أن يبدأ تشغيله في 2025، على أن يعمل المشروع بكامل طاقته بحلول 2029، بتكلفة إجمالية 30 مليار دولار.
جدير بالذكر أنه في يوم ٦ أغسطس ١٩٤٥، كان مقرراً أن تقصد القاذفة «ب٢٩»، التى حملت القنبلة الذرية، هدفاً أبلغ قائد الطائرة صعوبة الرؤية فوقه بسبب سوء الأحوال الجوية، فصدر إليه الأمر بالتوجه إلى مدينة هيروشيما وإلقاء القنبلة فوقها.. وبعد ٤٣ ثانية من إلقاء القنبلة، أو «الطفل الصغير» كما كانوا يدللونها، شهد المكان أكبر كرة من اللهب لم يسبق أن شهد العالم مثيلاً لها، وقد راح لهيبها ودخانها يتصاعد حتى بلغ ارتفاع ١٢ ألف متر!
وفى هيروشيما توقفت الحياة بكل صورها فى الثامنة و١٥ دقيقة من صباح ذلك اليوم، وقتل فى الحال ٧٨ ألف فرد بسبب الحروق والإشعاعات الذرية، فى الوقت الذى ظل الموت يلاحق الآلاف حتى وصلت حصيلة ضحايا هذه القنبلة فى نهاية عام ١٩٤٥ إلى أكثر من ٣٥٠ ألفاً!