سلطة الانقلاب تمارس سياسة ممنهجة لإقصاء القضاة الشرفاء من المنظومة القضائية ما وصفه مختصون بمذبحة جديدة للقضاة بعد قيام مجلس التأديب والصلاحية بعزل المستشار أسامة الصعيدي قاضي التحقيق المنتدب في قضية أرض الطيارين، وقالوا ان النظام الانقلابي يحصن الفساد والفاسدين، عن طريق ملاحقة القضاة الشرفاء والانتقام منهم والتنكيل بهم رغم مباشرتهم واجبهم المنوط بهم بحيادية ونزاهة،
وفى هذا الاطار اصدر عدلى منصور الرئيس المعين من قبل الانقلابيين قرارا جمهوريا بعزل "الصعيدي"، بعد أقل من شهر من تبرئة القضاء أحمد شفيق ونجلي مبارك في القضية نفسها.
وحذر المختصون من أن الانقلاب يلاحق كل من يكشف حقيقته وأنه يمالأ الفاسدين من داعميه، مؤكدين ان منصور يصدر قوانين تمكن للفساد منها الإسناد بالحق المباشر.بما يفتح المجال للفاسدين دون محاسبة أو مساءلة، ويحاكم الشرفاء .
ويأتى قرار عزل أسامة الصعيدي في إطار سياسة قمع القضاة الشرفاء وكان قد سبقه قرار بعزل المستشار وليد شرابي، وإحالة عدد من قضاة حركة قضاة من أجل مصر للتحقيق والحكم يوم 27 يناير الجاري والحكم استباقي أعلنه المستشار الزند.
وكان منصور قد أصدر ، قرارًا بنقل المستشار أسامة أبو أحمد الصعيدي أحمد، القاضي بمحكمة استئناف القاهرة، قاضي التحقيق في قضية أرض الطيارين، التي كان متهمًا فيها المرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق، إلى وظيفة غير قضائية بوزارة القوى العاملة والهجرة، تعادل درجة وظيفته الحالية، مع احتفاظه براتبه فيها.
علاء وجمال وشفيق
وجاء قرار عزل المستشار الصعيدي في 16 يناير أي بعد أقل من شهر بعد صدور حكم ببراءة أحمد شفيق ونجلي المخلوع المتهمين فيها، والذي ترافع فيها محامي المخلوع ونجليه فريد الديب ودفع ببطلان جميع التحقيقات التي أجراها المستشار أسامة الصعيدي على حد زعمه.
وفي 19 ديسمبر 2013 قضت محكمة جنايات القاهرة ببراءة جمال وعلاء مبارك، نجلي الرئيس المخلوع حسني مبارك، وأحمد شفيق-رئيس الوزراء الأسبق أثناء موقعة الجمل- وذلك في قضية اتهامهم بإهدار المال العام في أرض الطيارين.
وقضت بانقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم ضد كل من اللواء نبيل فريد شكرى، رئيس مجلس الإدارة السابق، واللواء محمد رضا عبدالحميد صقر، سكرتير الجمعية في قضية أرض الطيارين، وذلك لاتهامهم بتسهيل الاستيلاء على مساحة 40 ألف متر من أراضي منطقة البحيرات المرة بمحافظة الإسماعيلية والمخصصة لجمعية "الضباط الطيارين".
إهدار المال العام
وكان أمر الإحالة الذي أعده أسامة الصعيدي قاضي التحقيق المنتدب من وزير العدل أحمد مكي، إلي المنسوب لهم الاتهام تضمن الموافقة بصورة منفردة تمكين علاء وجمال مبارك من قطعتي الأرض، وبمساحة زائدة عن المسموح بها، والتغاضى عن اتخاذ إجراءات سحب الأرض وفسخ التعاقد خلال المدة من عام 1995 وحتى تاريخه، لاخلالهما بالتزام البناء عليها خلال مدة 3 سنوات من تاريخ التخصيص، بقصد استمرار حيازتهما بغير حق للارض والبالغ مساحتها 40 ألف متر مربع، مما تسبب في خسارة قدرت بنحو ملايين الجنيهات كحق انتفاع حسبما ورد بقرار الإحالة.
انتقام وتنكيل
من جانبه أكد المستشار عماد أبو هاشم –رئيس محكمة المنصورة- ان عزل المستشار أسامة الصعيدي مذبحة للقضاة مشيرا الى ان كل القضاة الذين حققوا فى قضايا الفساد المتعلقة بنظام مبارك وكانت تحقيقاتهم محايدة يراعى فيها قواعد وأصول التحقيقات الجنائية يسعى الانقلاب اليوم للانتقام منهم والتنكيل بهم كما يسعى الانقلاب لملاحقة القضاة الذين يؤيدون الشرعية، ويصفون ما حدث في 3 يوليو بأنه انقلاب عسكري مجرم ومنعدم وباطل للنيل منهم وإقصاءهم عن ساحة ساحة القضاء.
إفساد القضاء
وقال لـ"الحرية والعدالة" ان المستشار أحمد الزند صرح في تسجيل له منشور على مواقع التواصل الاجتماعي أن حركة "قضاة من أجل مصر" سيحكم عليهم بالعزل من وظائفهم كما فعل مع المستشار وليد شرابي، وهذا حكم استباقي فيما يخص الحكم المرتقب على الحركة يوم 27 يناير مؤكدا أن الأحكام مسبقة ومعدة سلفا وأن الانقلاب العسكري يعيث فسادا من خلال "الزند" في مؤسسة القضاء ويتدخل بأحكامه ويملي على المحاكم ما تصدره من أحكام وينفذ أوامر الانقلاب.
وأوضح "أبو هاشم" أن ما جرى مع المستشار أسامة الصعيدي جاء نتيجة قيام مجلس التأديب والصلاحية بإصدار قرار بعزله والأقرار بإحالته إلى عمل غير قضائي، ويترتب عليه قيام الرئيس المؤقت المعين من سلطة الانقلاب بإصدار قرار جمهوري بالإحالة لوظيفة غير قضائية لتنفيذ قرار الإحالة وتحديد وظيفة إدارية بالدولة لأسامة الصعيدي.
ونبه إلى أن كل المحاكمات غير العادلة وما يصدر عن الرئيس المؤقت أعمال منعدمة وليس لها وجود بالكيان القانوني بعد عودة الشرعية.
إخلاء الساحة
وأكد "أبو هاشم" أن عزل القاضي أسامة الصعيدي يعد تحصينا للفساد على حساب القضاة الشرفاء، موضحا ان الانقلاب سارق ومن مصلحته أن يمالأ اللصوص والفاسدين ويهاجم شرفاء يسعون لاسترداد الحق الضائع وأموال الشعب.مشيرا إلى أنه ليس من مصلحة الانقلاب الغاشم المجرم أن يترك من ينادون بمعاقبة وملاحقة قادته –الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية -في الداخل والخارج بل يسعون للتخلص منهم وللتخلص من كل صوت معارض لإفساح الطريق وإفساح الساحة للفاسدين من داعمي الانقلاب ويقايضون بدماء المصريين على مصالحهم.
تبرئة الانقلابيين
وأضاف:هناك سياسة لصالح شبكة فساد نظام مبارك وضد قضاة شرفاء، وكل الأحكام بعد الانقلاب تصدر ضد الإخوان وضد النظام الشرعي لصالح الانقلاب، مؤكدا ان كل الأحكام تصدر لإدانة مؤيدي الشرعية ونظام مرسي، مقابل أحكام بالبراءة للفلول ورجال مبارك ونظامه، وعدم ملاحقة جرائم الانقلاب وتبرئة الانقلابيين، ولا يوجد أي حكم أو إدانة ضدهم، بينما لم يفلت أنصار الشرعية من أحكامهم الظالمة، ولفت إلى أن هذه الأحكام الجائرة لا تشغله إطلاقا وأنها ستسقط بمجرد سقوط الانقلاب.
ملفات الفساد
وأشار الى تسجيل أحمد الزند الذي يكشف تدخله في أحكام القضاء حيث قال مسبقا الحكم المتوقع على حركة قضاة من أجل مصر، وقال الزند أن هناك مجموعة أخرى ستلحق بالمستشار وليد شرابي.
وحول مصير ملفات الفساد بعد عزل القضاة الشرفاء اوضح "أبو هاشم" أن هذه الملفات في ظل الانقلاب ستذهب أدراج الرياح لحين عودة الشرعية، مؤكدا أن لكل شيء ثمن وللحرية والكرامة ثمن، ولا تنازل عن المباديء والكرامة والحرية مهما كانت التضحيات والأحرار يموتون واقفون وليس ركعا أذلاء.
وتوقع استمرار مذبحة القضاة في ظل الانقلاب بحيث تشمل آخرين، لافتا الى ان أحمد الزند يدعي أن هناك ما يسميه ب"خلايا إخوانية" بالقضاء وهذا غير صحيح وتحت هذا الادعاء يتم الانتقام من قادة تيار استقلال القضاء هم وأبناءهم للتخلص منهم ويتم تلفيق التهم لقادة تيار الاستقلال بمزاعم باطلة ومنهم المستشارون أحمد مكي وحسام الغرياني وهشام جنينه وغيرهم حيث أدخلوهم في تحقيقات جنائية واتهامات ملفقة بتنظيم سري هو "قضاة من أجل مصر" وكانت هناك تحقيقات بشأنها منذ فترة رفضنا المثول أمامها وهي تقول بمزاعم غير منطقية وغير واقعية منها "أخونة القضاء" وهي تكشف أن الانقلابيين لا يجدون ما يقولونه وهم مفلسون.
واعتبر "أبو هاشم" ان رد فعل الانقلاب بعزل شرفاء القضاة يكشف ضعف موقف الانقلاب موضحا ان اللص إذا خطف شيئا ثم هرب سيتصدى لكل من يطارده بتصرفات هيستيرية مجنونة، والانقلاب ضاقت الدائرة عليه، لذلك رد فعله هستيري، وهؤلاء لو أن مركزهم قوي لما فعلوا ما يفعلونه، بل فعلهم دليل على أن انقلابهم يتزلزل وغير مستقر في مكانه لأنه على خطأ وموقفه الضعيف يجعل لديه هاجس ضد كل المخالفين والمعارضين له.
حجم الانقلابيين
وقال ليس ما يحدث انتصار للانقلاب، بل إن الاستفتاء كشفهم وكشف حقيقة الإقبال الضعيف المرصود من كل المنظمات المحلية والدولية، واتضح وزن الانقلابيين الحقيقي ميدانيا-بغض النظر عن النتائج المزورة- فالناس بالخارج تحسب النتيجة بالورقة والقلم واكتشفوا حقيقة أن أغلبية الشعب ضد الانقلاب إذا هو مهزوم وليست ورقة مزورة ستمنع الثورة، بدليل انتخابات مجلس الشعب المزورة في 2010 التي اكتسح فيها الحزب الوطني المنحل ثم قامت ثورة يناير وانحل الحزب،
واضاف ان ورقة الاستفتاء المزورة لن تقف عقبة أمام الشعب، وبعد الاستفتاء سيكون هناك اتجاه داخلي وخارجي مغاير لما كان قبل ذلك، مؤكدا ان ردود أفعال دولية وداخلية تغيرت وقوى ممالأة بدأت تبتعد عنهم.
أموال الفقراء
ويرى د.يوسف إبراهيم أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر أن القضاء أصبح ضد القضاة الشرفاء معتبرا عزل أسامة الصعيدي عقابا له على مواقفه وتوجهه العام وليس فقط تحقيقه في قضية بعينها، وقال لـ"الحرية والعدالة" أن المفترض والطبيعي أن مؤسسات الدولة تحافظ على المال العام وتمنع عملية إهداره وتوفره لاحتياجات الفقراء والاقتصاد، ولكننا لسنا في وضع طبيعي بل في وضع انقلابي يحصل فيه الفاسدون على براءات وأما الشرفاء فانهم يحاكمون ويعاقبون، وطالما القضاء فسد فقد انتهى كل شيء بالمجتمع،
واكد "إبراهيم" ان القضاء هو رمانة الميزان، والقضاء أغلبه شرفاء ولكن هناك قلة متحكمة فاسدة تفسد كل شيء محذرا من أن الانقلاب يشرع قوانين تحقق مصالحه، منها "قانون المزايدات والإسناد بالأمر المباشر" الذى أصدره "عدلي منصور" والذي يعد طريقا للفساد، فبدلا من أن تتبع الإجراءات المعتادة قانونا حيث تقدم عطاءات ومظاريف مغلقة ثم يتم اختيار أفضلها وأوفرها للدولة، فانه وفقا للتعديل الجديد من حق المسئول منحه مباشرة لشركة بعينها دون عطاءات ودون مفاضلة، وهذا باب للفساد حتى لو تم قصر الإسناد على وزير أو وزراء بعينهم لهم حق الإسناده.
واعتبر أن ما يجري هو وضع انقلابي يبرأ فيه الفاسدون ويحاكم فيه الشرفاء حيث يصدق الكاذب ويكذب الصادق ويؤتمن الخائن ويخون الأمين.