د. منير جمعة: أجرينا استطلاعا بين العلماء ولن يلتزم بالقرار سوى 5% على أقصى تقدير.
د. فتحى أبو الورد: موضوعات الخطب المعلنة كلمة حق يراد بها باطل، والأهم الآن قضايا الظلم والحريات.
فتحى النادى: القرار يعنى تمكين أمن الدولة من المساجد وإرهاب الخطباء كسابق العهود
فجر عاطف صحصاح
أصدر "محمد مختار جمعة" وزير الأوقاف فى حكومة الانقلاب، قراراً بتاريخ 26 يناير 2013 بتوحيد خطبة الجمعة بجميع مساجد مصر بناء على خطة دعوية مسبقة تعمم فى بداية كل شهر تشمل أربع خطب متتالية، كما قرر القطاع الدينى بوزارة الأوقاف الانقلابية توحيد الخطبة فى جميع المساجد سواء التابعة لوزارة الأوقاف أو الجمعيات الدعوية والأهلية أو المساجد الأهلية. كما هددت الوزارة الانقلابية بأنها ستكون مضطرة إلى سرعة ضم أى مسجد تابع لأية جمعية لا يلتزم بالخطبة الموحدة، بل ومحاسبة أى إمام أو خطيب لا يلتزم بها، وشددت على أن هناك خطة سيتم تحديد موضوعاتها شهرياً وتُنشر فى موعد أقصاه يوم 20 من الشهر السابق.
وكذلك سارع الانقلاب متمثلا فى وزارة الأوقاف بالإعلان عن موضوعات الخطب بالمساجد لشهر ربيع الآخر، حيث تكون خطبة الجمعة الأولى عن دور الشباب فى بناء المجتمع، والجمعة الثانية عن الأمل والعمل، والثالثة عن العلم والعقل، والرابعة عن الحفاظ على البيئة ودوره فى التنمية.
أما اليوم 31 يناير، فالموضوع الذى تم الإعلان عن وجوب الحديث فيه هو "تطوير العشوائيات ورعاية الفقراء مصلحة للفقير والغنى معاً"، كذلك لم يكتف الانقلاب بتحديد الموضوعات بشكل عام مجرد، بل أعلنوا أن القطاع الدينى بالوزارة الانقلابية سيقدم أهم العناصر، مع خطبة فى كل موضوع للاستضاءة بها والتناول فى إطارها العام.
ويبدو أن الانقلاب قد أراد الإضافة لجرائمه العديدة؛ والتى من بينها أيضا محاصرة المساجد وترويع مرتاديها، التضييق على إقامة الشعائر وحصر الأئمة والخطباء فى الموالين للانقلاب، ومنع إقامة صلاة جمعة إلا فى المساجد التى لا تقل عن 80م، وكذلك تحديد مدة خطبة الجمعة بخمس عشرة دقيقة فقط إلى عشرين دقيقة على أقصى تقدير. هذا فضلا عن القتل والقنص لما يقرب من 45 عالما قد ارتقوا شهداء فى مجزرة فض رابعة وحدها. فضلا عن المئات من العلماء المغيبين خلف المعتقلات وفى السجون.
تغييب كلمة الحق
من جانبه يقول د. منير جمعة -عضو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين وعضو ائتلاف علماء ضد الانقلاب-: إنه من الطبيعى فى ظل الانقلابات العسكرية الدموية أنه لا صوت يعلو فوق صوت الانقلاب، وأكثر شىء يؤثر فى الناس هو خطيب الجمعة؛ الذى يجلس الجميع تحت قدميه تقريبا، ويستمعون إليه كعبادة وفريضة دينية؛ فكان لابد للانقلابيين أن يهيمنوا أيضا على المنبر؛ لأنه لو ترك حرا لن يسمع الناس منه أبدا صوت النفاق، ولا تأييد الظالمين، ولذا كان طبيعيا صدور مثل هذا القرار الإجرامي؛ لتأميم المساجد. والغريب أنهم هددوا بتحويل الأئمة إلى عمل إدارى وبالتحقيق معهم لو لم يلتزموا بالموضوعات، فى حين أن هذه الإجراءات لا تتم مثلا مع المذيعين والإعلاميين لو بثوا خبرا كاذبا، ولا تتم كذلك مع الفنانين لو قاموا بعمل مسىء للدين أو للأخلاق، فكأن المقصد الوحيد من هذا القرار هو تغييب كلمة الحق من فوق المنابر.
ومن جهته يؤكد جمعة أن هذا القرار ليس عاقلا ولا يمكن تطبيقه أبدا؛ إذ كيف سيأتون فى كل مسجد بمجموعة من المخبرين التى تفهم وتعى ما يقوله الخطيب؛ فربما التزم الخطيب بعنوان الخطبة؛ ثم قال فى أثنائها ما يشاء؛ فهذا عمل لا يفهمه المخبرون ولا أنصاف المتعلمين من المتعاونين مع الانقلاب. ولذلك فهذه معركة خاسرة لن يستجيب لها إلا ضعاف النفوس وبعض المنتفعين من المشايخ الذين يحرصون على علاقات آمنة مع الانقلابيين من أجل مصالحهم؛ فى حين أن معظم الأئمة من الأحرار لن يستجيبوا وسيظهر هذا بإذن الله. حيث أتوقع أن نسبة المستجيبين لن تتعدى 5% وهى كذلك نسبة كبيرة، لأن معظم مشايخ مصر يعرفون الحق، ويعرفون ما يجب عليهم أن يقولوه. كما أن الأمور تزداد وضوحا يوما بعد يوم؛ ولم تكن معركة الحق والباطل بمثل هذا الوضوح فى التاريخ أبدا، وبخاصة بعد أن ارتقى آلاف الشهداء، وبعد أن تحولت حياة الأحرار إلى جحيم؛ بحيث لا يعيش فى مصر سعيدا الآن إلا غير المسلمين، وبعض العلمانيين والشيوعيين، وبعض المتحللين والمنفلتين من أحكام الدين. أما عموم الشعب المتدين فيشعر بالمأساة ويشعر بأن الدين يحارب محاربة عظيمة واضحة.
ويرى جمعة أن مثل تلك القرارات الانقلابية سوف ترتد على من أصدروها؛ فالشعب عندما يرى تلك الخطب الموحدة ويسمع بها سيعلم أن من وراء ذلك إرادة السيطرة وتكميم الأفواه، ومحاولة تعبيد الناس للـ"سيسي"، وليس لرب الناس سبحانه وتعالى.
وحول الموضوعات التى صدر بها قرار لشهر فبراير فقد يرى البعض أنها جيدة فما الضير منها، حول ذلك يشير جمعة إلى أنه وإذا كان موضوع خطبة جمعة اليوم 31 يناير عن العشوائيات؛ فكان الأولى بهم تطهير الشوارع من الدماء التى ترق فيها ليل نهار، فذلك الآن أولى من تطوير العشوائيات التى يتحدثون عنها. كذلك فمن الذى عليه أن يطور تلك العشوائيات؟! الذى يملك القرار أم المسكين الذى يعيش فيها!!
وكذلك فموضوع الجمعة التالية عن دور الشباب، وهم بالطبع يقصدون أن الشباب فى هذا العصر عليهم أن يتحولوا إلى مخبرين مناصرين للانقلاب وللباطل. فليس من المنتظر طبعا أن يقصدون الحديث عن دور الشباب فى نصرة الإسلام، ومقاومة الظالمين، وتحرير القدس!
فالعناوين وإن كانت تبدو جيدة لكن يبقى السؤال: ماذا يريدون منها؟! فليست بغيتهم أكثر من تدعيم الظالمين، وإضفاء الشرعية على الانقلاب، بطريقة "لطيفة" وأكثر من يفهم ذلك – بفضل الله – هم الخطباء والعلماء.
ويضيف جمعة: وفى هذا الإطار أجرينا استطلاعا على بعض صفحات العلماء على مواقع التواصل الاجتماعى، لمعرفة من منهم يمكن أن يلتزم بما يُطرح من خطب؛ والحمد لله كان أعلنت الأغلبية منهم عدم الالتزام بذلك، ولم يعلن التزامه بهذا إلا القليل جدا جدا منهم.
البحث عن الظهير الشرعي
وفى السياق نفسه يرى د. فتحى أبو الورد – مدير مكتب الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين بالقاهرة – أنه من حيث المبدأ الأمر جائز ولكن بضوابط؛ فلا مانع عندما تكون هناك قضية ما تشغل الرأى العام أن يكون هناك توجيه بأن تحتوى خطبة الجمعة تلك القضية، وذلك أيضا شريطة أن يكون الخطيب حرا وطليقا فى آليات معالجة الموضوع، بما يمليه عليه دينه وضميره وبما يحقق الفائدة.
ويستطرد أبو الورد مؤكدا أن مع ذلك فهذا القرار فى ذلك التوقيت يعد دعوى حق يراد بها باطل، فتحديد الموضوعات الآن يتم بصورة دقيقة بحيث يغلقون على الخطيب فرصة الخروج عن النص، ومن لم يلتزم يتعرض للعقوبة، وكل ذلك يبدو معه أن الهدف تسييس خطبة الجمعة وتسيرها فى فلك النظام الانقلابى، ولخدمة ما يُملى على وزارة الأوقاف، بحيث تكون فى النهاية ظهيرا يبدو شرعيا للانقلاب لتثبيت أركانه، ولإعطائه مشروعية على أرض الواقع.
وفيما يخص موضوع أول خطبة موحدة وهى اليوم الجمعة 31 يناير عن العشوائيات، يقول الدكتور أبو الورد: "ليس لى اعتراض على أن نتحدث عن قضية العشوائيات فى أى وقت آخر، أما الآن فالحديث يجب أن يكون عن الظلم والحريات وحقوق الإنسان والتحذير من سفك دماء الأبرياء، فهذه هى أولويات الواقع والوقت، ومن ناحية أخرى فماذا قدم هذا النظام الانقلابى لتلك العشوائيات، كذلك فماذا سيقول خطيب الجمعة مثلا لسكان المقابر والعشش والطرقات، فإذا قال لهم لا تسكنون هنا، فأين لهم بالبديل؟!".
ويشير أبو الورد إلى أن عدم استقلالية وزارة الأوقاف، أو الأزهر وغيرها من المؤسسات التى يجب أن تكون مستقلة، هو الذى يوقعنا فيما نشهده الآن؛ بحيث نعانى من أن تكون الهيئات والمؤسسات الدينية الرسمية خادمة للحكومات، فى حين أنه كان يجب عليها أن تحافظ على أن تكون حرة؛ حتى لا تقول إلا ما يرضى ضمائر من فيها وفقا للمصالح الشرعية. مضيفا أن قرار توحيد الخطبة لو كان صدر فى العام من حكم الرئيس الدكتور مرسى، لكانت صارت مشكلة كبيرة، ومثل ذلك ككافة القضايا التى يتعامل فيها مؤيدو الانقلاب بمكيالين ففى حين كانوا يشجبون وبشدة سد أثيوبيا ملوحين بمخاوف نقص المياه عن مصر، كذلك كانوا يغضبون ويثورون من أجل قطع الكهرباء والذى كانت تلعب فيه الأيادى الخفية؛ إلا أن هؤلاء جميعا الآن يجدون من التبريرات والمخارج لنفس تلك القضايا ما كانوا يعجزون عن قبوله من قبل، حتى أن الأمر لم يقتصر على التبرير بل تعداه إلى قلب الحقائق حيث اكتشفوا مؤخرا أن سد أثيوبيا به مصالح جمة لمصر، وبالطبع الإعلام الانقلابى يساعد فى هذا ويدفع الناس إليه دفعا.
ويضيف أبو الورد أنه من الجدير بالذكر أن بين فئتى المؤيدين للانقلاب والمعارضين له والذين من الصعب التأثير على قناعة كل منهما، مازالت هناك فئة ثالثة لم تكوِّن رأيا أو مترددة فى اتخاذ القرارات وهذه الفئة هى التى يعمل الجميع على جذبها والرهان عليها، والكثير من هؤلاء تؤثر فيهم خطبة الجمعة أكثر من أى شىء آخر، وقد اكتشفوا مؤخرا أن الكثير من السموم التى يبثونها عبر الفضائيات يزول أثرها من خطبة الجمعة، وبالتالى لجئوا بعد أن سيطروا على الفضائيات وأغلقوا القنوات ومنعوا إصدار الصحف غير الموالية لهم، بعد هذا كله يتجهون الآن للاستحواذ على المنبر الخطابى والدعوى المباشر؛ فى حين أنى أتصور أن الوعى على أرض الواقع يزيد، وكل يوم يمر يفقد فيه الانقلاب جمهورا جديدا.
تمكين "أمن الدولة"
ومن الناحية العملية يقول محمد فتحى النادى – الباحث فى الفكر الإسلامى -: إن أمر توحيد الخطبة سوف تكون له انعكاساته السلبية على الخطيب والمستمعين؛ فمصر بلد كبير ومتنوع ثقافيا واجتماعيا وبيئيا، ففيها أهل المدن وأهل الأرياف والبدو…إلخ. وما ينفع لفئة ليس بالضرورة أن ينفع غيره من ناحية لغة الخطاب والأسلوب، بل والموضوع ذاته، فليست كل الموضوعات على درجة واحدة فى شغل بال المتلقى بها.
ويتساءل النادى: هل موضوع تطوير العشوائيات -على سبيل المثال- يشغل أهل الريف؟ وهل يقتنع أهل المدن بموضوع رعاية الفقراء وقد رأوا غلق الجمعيات الخيرية؟ وهل موضوع "الحفاظ على البيئة ودوره فى التنمية" يشغل بال أهل القرى؟ وهل سيكون الخطيب مقتنعا بكل ما يقول أم هى مجرد وظيفة يتحصل من خلالها على قوت يومه؟!
ويرى النادى أنها بالفعل مشكلة حقيقية وسيكون تنفيذها على درجة كبيرة من الصعوبة من ناحية آليات التنفيذ والمتابعة، فهل المستمعون هم الذين سيبلغون الوزارة عن الخطيب غير الملتزم بموضوع الخطبة، أم معنى هذا تمكين أمن الدولة من المساجد وإرهاب الخطباء كسابق العهود.
ويختتم النادى بالإشارة إلى أن الانقلابيين يعلمون أن الخطيب الناجح يؤثر تأثيرا عظيما فى مستمعيه، وأن خطبة مؤثرة قد تهدم الكثير مما يروجه الإعلام المسموع والمقروء. وقد كانت أيام الجمع من الأيام الفاصلة فى ثوراتنا العربية، وقد كانت الحشود تبدأ من المساجد الجامعة، ومعنى قرار توحيد الخطبة أن تصبح شيئا روتينيا يؤديه الخطيب كأنها وظيفة ويؤديها المستمع كأنها شعيرة خالية من الروح.