كتب رانيا قناوي:
قال الكاتب الصحفي وائل قنديل، إن الدول كالبشر، بعضها يكبر ويزداد عقلاً وحكمة، وبعضها يكبر ويخيب، موضحا أنها ليست كبيرة، تلك التي تتملق أعداءها، وتصعر خدها، وتمد يديها، وتقتل أجمل ما فيها.
وقارن قنديل -خلال مقاله بصحيفة "العربي الجديد" اليوم الثلاثاء- بين دولة مثل قطر الصغيرة، سناً ومساحة وتعدادًا، جمع أهلها أكثر من 250 مليون ريـال قطري، ما يعادل نحو 70 مليون دولار، في غضون ساعات، من أجل منكوبي الإجرام العالمي في حلب، حيث فعلها القطريون مدفوعين بالحس الإنساني، دون أن يفرضها عليهم أحد، أو توجههم إليها سلطة، في الوقت الذي احتفلت فيه مصر "الكبيرة" بالتطهير العرقي في حلب، وانتشت لتدميرها، وطربت لابتهاج كبير جند الفرس، قاسم سليماني، بانتعاش محصول الخراب فيها، ولم تنبس ببنت شفة أمام الإعلان عن تورط الموساد في اغتيال الشهيد التونسي المقاوم محمد الزواري.
وأضاف أن قطر يسمونها "دويلة" في إعلام سفيه الانقلاب الذي يتحدث باسم نظام متناهٍ في الصغر، يحكم "أضغاث دولة" بتعبير ما يشبه الحاكم لها، متسائلا: "فأيهما أكثر تحققاً وتواجداً: دولة صغيرة "دويلة" أم "شبه دولة " ضخمة الحجم، متواضعة الأثر، كبيرة الدماغ، صغيرة العقل؟!".
وأوضح قنديل أنه من المهم قبل الحديث عن الخلط العجيب بين مفهومي الدولة الكبيرة والدولة العجوز، التنبيه إلى الفارق الجوهري بين "الوطن" وبين "الدولة". فالوطن ثابت والدولة متغير، الوطن هو الأرض والشعب والتاريخ والجغرافيا، ومنظومة الأخلاق والثقافة.. بينما الدولة هي النظام السياسي الحاكم لهذا الوطن، هي المؤسسة التي تدير وتحكم. وبالتالي فالمستبد الفاشل ليس هو "الوطن" ليس هو "الجمهورية" بل هو الشخص الذي استولى بالقوة المسلحة على مفاتيح غرفة التحكم في شؤون هذا الوطن، الكبير، وأداره بسياسات وممارسات صغيرة، داخلياً وخارجياً، فجعل منه "دولة صغيرة" بل أقل من ذلك "شبه دولة".
وأكد أنها ليست دولة كبيرة بالتأكيد، تلك التي تتملق أعداءها، وتنحني لمحتلي شقيقاتها، وتصعر خدها، وتمد يديها، وتقتل أجمل ما فيها، كي ينتعش محصولها من القبح والفساد والبلادة، والانحطاط القيمي، وتهين جغرافيتها، ببيع مساحات من أرضها، وتبتذل تاريخها ورصيدها الحضاري، بالتسكع على أبواب المقتدرين، مالياً وعسكرياً، ملطخة وجهها، مثل عجوز مترهلة، تبتعد تماماً عن الوقار والاحترام، لافتا إلى أن الدولة الكبيرة إنسانية، بالضرورة، وعادلة، بالبداهة، وأخلاقية، بالطبع، ليست كيادة ولا مبتزة ولا مبتذلة، ولا متصاغرة، ولا مفرقة بين أبنائها، موقفها السياسي ليس "جراج" متعدد الطبقات، يستعمله، بالامتلاك أو بالإيجار، من يدفع، ومبدأها الأخلاقي يتشكل من روافد الاعتقاد الديني والموروث التاريخي والفعل الوطني الذي يأخذ في حسبانه اعتبارات الأخوة والجوار، ويميز بين العدو والصديق.
وأكد أن الدولة الكبيرة لا تطلق جراءها المسعورة تنهش وتعقر في كل مكان، تغرس مخالبها وأنيابها في لحم المختلفين، المعارضين لكل هذا التدني والتسفل، وتطلقهم على من لا يرضخون لابتزازها خارج الحدود، فيمالئون العدو الصريح، ويهينون الشقيق، الثابتة أخوته بالدين واللغة والعرق والدم والملامح، مشيرا إلى أن فيلسوف علم السياسة الإسلامية، أبو نصر الفارابي والذي كان يكنى باسم "المعلم الثاني" بعد المعلم الأول، أرسطو، يحصر أسماء وأنواع المدن الفاسدة في المدينة الجاهلة، التي هي مدينة الظنون والأوهام والمعتقدات الفاسدة، والمدينة البدالة، والمدينة الفاسقة والمدينة الضالة ومدينة النذالة ومدينة الخسة والاجتماع الخسيس.
وأما مدن الفضيلة فقد حدد الفارابي مواصفات الحاكم الذي يمكن أن يحقق وجودها، ويحافظ عليها، في 10 شروط، أهمها:
1. أن يكون بالطبع جيد الفهم والتصور، جيد الحفظ لما يفهمه ويدركه
2. جيد الفطنة ذكياً
3. حسن العبارة
4. محباً للتعليم والاستفادة
5. محباً للصدق وأهله، مبغضاً للكذب وأهله
6. كبير النفس محباً للكرامة
7. أن يكون الدرهم والدينار وسائر أغراض الدنيا هينة عنده
8. أن يكون بالطبع محباً للعدل وأهله، مبغضاً للجور والظلم وأهله
9. أن يكون عدلاً غير صعب القيادة ولا جموحاً ولا لجوجاً
10. قوي العزيمة جسوراً غير خائف ولا ضعيف النفس