كتب سيد توكل:
تحكم العسكر منذ انقلاب عبدالناصر على الرئيس محمد نجيب، فيما يعرض ولا يعرض على شاشة التلفزيون والسينما، وغرقت مصر في مستنقع من الدراما والأفلام الهابطة التي تشجع على الحرام وفساد الأخلاق، وذكرت المنتجة السينمائية "اعتماد خورشيد"، في برنامج "أنا والعسل" مع الإعلامي اللبناني نيشان، أن وزير الإعلام (موافي) الاسم الحركي لصفوت الشريف كان "يبيع" النساء، وأنه سيطر على حسني مبارك بواسطة أشرطة جنسية، مضيفة أن زوجها الراحل، رئيس المخابرات المصرية العامة صلاح نصر الأسبق كان "شاذًا".
الأمر الذي أكدته الفنانة الراحلة سعاد حسني، في مذكرات نشرتها صحيفة "روز اليوسف"، اعترفت فيها بمضايقات صفوت الشريف لها، بل إنها أبلغت الرئيس المخلوع مبارك بذلك فلم يعرها اهتماما، بل أبلغ الشريف بما ذكرته سعاد، فسافر إليها في لندن ونشبت بينهما معركة استخدمت فيها سعاد سكينة تقطيع التفاح في جرح الشريف.
وحاول جنرالات الجيش اصطياد الفنانات واستغلالهن عبر توريطهن في قضايا مخلة بالشرف، وكرهت الفنانة الراحلة فاتن حمامة فترة عبدالناصر، على الرغم من أن "زعيم النكسة" منحها ميدالية الشرف بنفسه في احتفال كبير مطلع الستينيات، وتغير انطباعها عنه كثيرا بعد أن كان بالنسبة لها رمزا كسائر المصريين، وزاد من تغير نظرتها إليه أحداث كثيرة مرت بها مصر.
وجاء فى تصريحات أدلت بها للإعلامي أحمد المسلمانى: «استقبلت الثورة بفرح شديد.. صدقناها، وخطونا وراءها.. كنا نحب محمد نجيب عند قيام الثورة، لقد قدموه لنا بوجهه الطيب السمح.. كنا مع محمد نجيب، لكن عندما ظهر عبدالناصر غطى عليه وعلينا".
مسلسل قيامة أرطغرل
وبعد ثورة 25 يناير ووصول الدكتور محمد مرسي كرئيس مدني منتخب إلى الحكم لأول مرة في مصر عام 2012، استبشر المشاهد المصري والعربي خيراً، وشعر منتجي الدراما "القذرة" أمثال السبكي وغيرهم أن سوق الرذيلة انفض، وقال مرسي للجميع: "أنا جاي أحافظ على البنات أمهات المستقبل".
إلا أن الآمال خابت وعاد المشاهد إلى المربع صفر، بعد انقلاب عبدالفتاح السيسي في 2013، الذي قال بالفم المليان: "إحنا أي حاجة مبترديش ربنا بنقف وراها وبنساعدها"، وتنفس منتجو "الحرام" الصعداء وعادوا إلى مقاعدهم مرة أخرى يفسدون المصريين.
إلا أن التكنولوجيا الحديثة وقفت سدا منيعًا أمام دراما العسكر، وأصبح بإمكان المشاهد الاختيار عن طريق قنوات الفضائيات والحفظ على أجهزة الحواسيب، ويستعد المصريون لمتابعته الموسم الثالث الذي يظهر من خلال التشويق الدعائي للمسلسل التركي "قيامة أرطغرل"، الذي يسطر ملحمة من الدراما النظيفة الهادفة، وعرض الصراع مع أعداء الإسلام المغول، والصليبيين.
من جانبها تقول الكاتبة " أفنان القطراوي": "ما شدني لمتابعة الجزء الثالث هو الجزء الأول والثاني، هذا العمل أشعرني أنه بديل فني قوي عن أي دراما ممكن أن أشاهدها لا سيما بعد طغيان المادة، وفراغ القيم من الدراما العربية".
حملة مقاطعة "القرف"
«قاطع مسلسلات رمضان»، حملة أطلقها محمود الغمرى، على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، والذي يعمل كمدير مالي بإحدى الشركات.
ولم تعد حملات المقاطعة مرتبطة بالأفلام السينمائية التي يشجعها العسكر وتحمل توقيع الأخوين «السبكى»، والتي اعتدنا عليها فى الفترة الأخيرة، بل امتدت أيضاً إلى المسلسلات الدرامية خلال شهر رمضان هذا العام، بعدما اجتاحت شاشات التليفزيون مجموعة من المشاهد والمعالجات لموضوعات وصفها الجمهور بـ"الزبالة"، لتصبح الدراما فى مواجهة سخط واستياء الشارع.
ويقول الناشط محمود الغمرى : «مستوى الدراما سيئ جداً، والمشكلة فى الحشد الضخم للإنتاج الدرامى فى شهر رمضان، لتقديم كل ما هو عكس هدف الشهر الكريم، وبالفعل حققت الحملة تفاعلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعى، مما يدل على نفور الجمهور من تلك الأعمال، وبالتالى نحاول القيام بتغير حقيقى على أرض الواقع، للتأثير على إنتاج تلك النوعيات من الدراما».
وقال رامى محمود، أحد المتضامنين مع حملة «قاطع مسلسلات رمضان»: «الدراما تضم مشاهد جريئة تقع أحداثها بين الملاهى الليلية وبها كم من الألفاظ الخادشة للحياء، وتلك كانت إطلالة موسم الدراما الرمضانية هذا العام، والتى اتسمت بالجرأة المفرطة، والشتائم، والبلطجة، والنصب، التى أصابت الجمهور المصرى بدهشة كبيرة منذ بداية عرض حلقات الأعمال الدرامية، بسبب كثرة المشاهد الخارجة والجريئة والألفاظ الخادشة، كما أبرزت تلك المشاهد الكباريهات فى مصر، وكأنها أصبحت جزءًا أساسيًا من حياة المصريين، ولا يستغنون عنها، وأصبح المشاهدون مجبرين على مشاهدة حفلات العرى والرقص والخمور، كل ليلة تقريباً خلال شهر رمضان وفى أغلب المسلسلات».
وتابع «محمود»: مسلسل «أفراح القبة» بشكل خاص من أهم المسلسلات التى تضمنت مشاهد وعبارات صادمة بالنسبة للجمهور، وبشكل عام العمل قد يكون على مستوى فنى عالٍ بالنسبة لتقييمات النقاد، ولكن تلك الأعمال تسبب حالة صدمة للجمهور، فالدراما تدخل كل بيت مصرى رغماً عنا، ومن ثم يجب أن تراعى الجمهور وخلفياته الدينية والثقافية، خاصة أن تطبيق التصنيف العمرى للمسلسلات غير واقعى مقارنة بتطبيقه فى السينما».
نبحث عن دراما نظيفة
تقول الكاتبة "أفنان القطراوي": "لامسنا براعة الخبث في الشر ولامسنا براعة الإيمان في الخير، حتى وإن أظهر أن 3 رجال مسلمين يهزمون 40 رجلًا صليبيًا أراه منطقيًا لطالما رددوا في المشاهد أن القلة المؤمنة التي تأخذ بالأسباب تهزم الكثرة".
وتضيف: "القيم الاجتماعية في المسلسل كانت حاضرة؛ العلاقة مع الأم، والأب، والزوجة، وزوجة الأخ، والقبيلة، والشيخ، لم يغب شيء منها تناولها بما يناسب ذلك العصر، كانت محافظة جدًا قدر المستطاع، لم يغيبها لأجل إظهار الصراع مع الباطل والأشرار بالعكس كان لها أولوية وكانت بمثابة نقاط رئيسية في السيناريو تبنى عليها الذروات والحبكات".
وتتابع: "الانتماء في المسلسل للأمة، وتغليب المصالح العامة على الشخصية كان عنوانًا عريضًا استطاع من كتب المسلسل أن يطرحه في المشاهد بشكل متكرر كان يؤكد عليه بطريقة بعيدة عن الملل. لم يلعن أحد ولم يشكُ أحد لأحد. بل كان التذمر من واقع العالم الإسلامي في جمل بسيطة وكان التركيز على كيفية النهوض بهذا الواقع".
وتضيف:"أخيرًا إن كان ثمة عتب، فهو على القنوات العربية التي لم تتسابق لشراء العمل ودبلجته أو ترجمته، فلولا الإنترنت وبعض القنوات على يوتيوب ما كنا تابعنا هذا الجمال".
وتختم تصريحاتها بالقول:"أمنية في الختام نتركها للقائمين على المسلسل أن يستمروا في مسيرة إنتاج مثل هذه الأعمال التي تعيد لنا الشعور بأننا كنا شيئًا مهمًا على الخريطة بل ونشكلها بقوتنا، في ظل مؤامرات تسلخ عنا عروبتنا، ومجدنا، وقيمنا العريقة".
مشهد من دراما العسكر في رمضان:
مشهد من دراما أرطغرل النظيفة