صفعة لـ”قيس سعيد” .. ماذا يعني تبرئة “النهضة” التونسية من اغتيالات “الجهاز السري”؟

- ‎فيعربي ودولي

 

أصدرت الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الإرهاب بمحكمة تونس الابتدائية يوم 27 مارس 2024 حكما بالإعدام بحق أربعة أشخاص وبالسجن المؤبد على شخصين، بتهمة الضلوع في اغتيال المعارض البارز شكري بلعيد في 6 فبراير 2013، والذي كان من أبرز المنتقدين لحزب النهضة الإسلامي الحاكم في تلك الفترة.

الأحكام برأت زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي وقيادات الحركة مما يسمي اغتيالات قام بها “الجهاز السري” الوهمي لحزب النهضة لقيادات يسارية.

يعود ملف “الجهاز السري” لعام 2018 حين زعم خصوم النهضة تورطها في اغتيالات سياسية داخل البلاد عبر جهاز سري، لكن تم غلق الملف، ويبدو أن الرئيس قيس سعيد قرر فتح الملف مجددا لمحاصرة النهضة التي تعارض انقلابه.

أحكام القضاء التونسي تعد بمثابة صفعة للرئيس التونسي قيس سعيد الذي يعادي حركة النهضة وقام بانقلاب وألغي البرلمان والذي سعى في 20 يناير 2022 لتشوية النهضة واتهام القضاء “بتبرئة أشخاص ثبتت إدانتهم، وإهمال بعض “الملفات الحساسة” وفق زعمه

ثم أوعز لوزيرته للعدل ليلى جفّال، فإعادة فتح التحقيق بخصوص ما عرف بـ “الجهاز السري” لحركة النهضة، رغم سبق تبرئة النهضة منها.

“سعيد” حاول استغلال إعادته فتح ملف “الجهاز السري” لضرب حركة النهضة، وتبرير حل مجلس القضاء والآن جاء تبرير النهضة ليوجه صفعة له ويكشف تآمره على القضاء التونسي.

بيان حركة النهضة التونسية، تعليقا على الأحكام والذي اعتبر أن صدور الحكم في قضية اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد، دليل على “براءتها من دمه، وعلى أجندة مشبوهة” لهيئة الدفاع عنه التي استهدفت الحركة “ظلما وعدوانا”، كان حاسما.

دعت لرد الاعتبار للحركة والشيخ الغنوشي مؤكدة أن “صدور الأحكام ينبغي أن ينهي المتاجرة بدم الشهيد وأن يعيد الاعتبار لمن طالته الاتهامات السياسية الباطلة وخاصة رئيس الحركة راشد الغنوشي”.

https://twitter.com/NahdhaTunisie/status/1773053438483435748

وكان خالد شوكات، وزير الشئون البرلمانية السابق خلال حكم الرئيس السابق قايد السيسي (2015/2016)، والناطق الرسمي باسم الحكومة قال في شهادة اعتبرت صفعة قيس سعيد ووزيرة عدله، أن هدف الرئيس التونسي هو ضرب ثورة تونس.

كتب تحت عنوان “الجهاز السرِّي في رواية تيّار التعفّن الأيديولوجي“، عبر حسابه علي فيس بوك 22 يناير/ كانون ثان 2022 أن ما يقال عن الجهاز السري “يترجم حالة تعفّن أيديولوجي لم تفلح سنوات الانتقال الديمقراطي العشر في التخفيف من وطأتها ومعالجة آثارها السلبية”.

اعتبر إعادة حكومة سعيد فتح ملف الجهاز السري المغلق لعدم وجود أدلة “يعكس رغبة في تصفية حسابات سياسية بطرق مخالفة لمقتضيات الديمقراطية ومبادئها”.

استغرب “محاسبة تنظيم سياسي معارض على امتلاك جهاز سري أيام الاستبداد قبل ثورة تونس)، فيما لم يكن الاستبداد يسمح ببناء التنظيمات العلنية”.

وفجّر اغتيال بلعيد المولود في 26 نوفمبر 1964 والذي كان ينتمي لفصيل ماركسي لينيني، زلزالا سياسيا في البلاد واعتبرته الحكومة حينها “جريمة تستهدف كل تونس”

ورغم غلق هذا الملف ورفض القضاء العسكري والنيابة التحقيق فيه، قررت وزارة العدل التونسية إعادة فتح التحقيق حول “الجهاز السري” المزعوم لحركة النهضة، لتعيد الجدل حول هذا الموضوع الشائك والذي تنفي حركة النهضة وجوده.

ويعود ملف “الجهاز السري” لعام 2018 حين زعم خصوم النهضة تورطها في اغتيالات سياسية داخل البلاد عبر جهاز سري، لكن تم غلق الملف، ويبدو أن الرئيس قيس سعيد قرر فتح الملف مجددا لمحاصرة النهضة التي تعارض انقلابه.

 

قصة الجهاز السري

في 2 أكتوبر 2018 اتهمت هيئة الدفاع (اليسارية) عن القياديين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، حركة النهضة بتكوين جهاز سري خاص متغلغل في الدولة، زعمت أنه أخفي أدلة اغتيال قادة يساريين عام 2013.

وُصف هذا الجهاز تارة بـ “الصندوق الأسود” وتارة أخري بـ “الغرفة السوداء”، وجري اتهام شخص يدعي مصطفى خضر، بأنه أخفي وثائق تابعة للداخلية كان مكلفا بنقلها تتضمن وثائق عن اغتيالات جرت في تونس و”تنظيمات سرية قبل الثورة.

وقد حُكم على “خضر”، الذي نفت النهضة علاقتها به، بالسجن مدة 8 أعوام وشهر واحد بتهم تعلّقت بالاستيلاء على وثائق مودعة بالخزينة وحيازة وثائق تحتاج إلى إثبات المصدر وغيرها من التهم.

ويوم 17 يناير 2022 أفرجت السلطات التونسية عن مصطفى خضر المحكوم في قضية الجهاز السري، وذلك بعد قضائه فترة الحكم ضده لمدة ثماني سنوات.

وقد نفي راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة ورئيس برلمان تونس عدة مرات وجود ما يسمي “الجهاز السري”.

قال 12 يناير 2019 أن مصطفى خضر الذي وجهت له اتهامات بالتستر على وثائق تكشف اغتيال القياديين اليساريين، لا ينتمي لحركة النهضة.

وأنه “غير مجرم، لكن تمّت معاقبته لاشتغاله في قضايا لا تخصّه من بينها جمع وثائق أمنية والعمل مع البوليس لإعانته في ملاحقة الإرهاب”، ومع هذا تم الحكم عليه خلال حكم الترويكا (نداء تونس والنهضة) بالسجن 8 سنوات.

وتحدث الغنوشي عن “ضغط وابتزاز للقضاء” من قبل أحزاب يسارية لاتهام حركة النهضة بدون أدلة، واستهدافها تحت مسمى الجهاز السري.

وانّ ما نشر من وثائق الغرفة السرية لم تكشف عن وجود عصابة مجرمة خططت ونفذت انقلابات كما يدعون.

حفظ الاتهام

ضمن صراعه مع النهضة، سارع الرئيس التونسي الراحل قائد السبسي بتبني مطلب هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي، بإحالة طلبهم حول الجهاز السري للنيابة، علي أمل تشويه الحركة قبل انتخابات 2019 بعدما تفوقت على حزبه في انتخابات 2016.

قال معلقون تونسيون حينئذ أن تبني الرئيس “السبسي” لأكذوبة “الجهاز السري للحركة الإسلامية” التي أثارتها هيئة الدفاع اليسارية عن بلعيد والبراهمي، كان بغرض “عزل النهضة سياسيا وربما استئصالها”.

يوم 22 أكتوبر 2018 تقدمت هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي بشكوى ضد النهضة أمام القضاء العسكري، وزعمت امتلاكها معلومات تفيد بامتلاك الحزب الإسلامي تنظيم سري تلاعب بوثائق اغتيال السياسيين اليساريين.

بعد حملة، شارك فيها اعلام السلطة في مصر والإمارات بصورة مكثفة، عبر النشر المتواصل لمزاعم حول “الخلية السرية” لإخوان تونس، وتدريب إخوان مصر لهم، للقيام باغتيالات وهمية، جري تبرئة حزب النهضة من افتراءات اليساريين.

أصدرت “وكالة الدولة العامة لإدارة القضاء العسكري” التونسي بيانا أواخر نوفمبر/تشرين 2018 بأنها قررت عدم التحقيق في الشكوى وإسنادها للنيابة العامة بتونس، بحسب سفيان السليطي الناطق باسم محكمة تونس الابتدائية 3 ديسمبر/كانون الأول 2018.

وفي نفس اليوم أعلنت النيابة العامة التونسية، إحالة ملف “الجهاز السري” لحركة النهضة إلى الوحدة المختصة بجرائم الإرهاب لمواصلة التحقيق في مختلف الوثائق والأدلة التي قدمتها هيئة الدفاع عن ملف اغتيال بلعيد والبراهمي.

بسبب عدم وجود ما يدين النهضة ولا “الجهاز السري” لم تصدر النيابة التونسية أي نتائج للتحقيقات وتم حفظها، ما دفع هيئة الدفاع للمبالغة باتهام النيابة عام 2019 “بالتورّط في جرائم إرهابية” حسب زعم المحامي عبد الناصر العويني.

كررت هيئة الدفاع اليسارية نفس الاتهامات للنيابة التونسية 20 مايو 2020، وشككت بحيادية قاضي التحقيق في ملف بلعيد والبراهمي، وزعمت وجود “تواطؤ واضح وجلي للنيابة ولقاضي التحقيق بهدف طمس الحقيقة وإخفاء أدلة تورط النهضة.

وكان من الاتهامات الطريفة التي وجهها اليساريون لـ “الجهاز السري الخاص” للنهضة إنه كان ضالعا في المحاولات الانقلابية في نهايات حكم بورقيبة وبدايات بن علي.

وهو ما وصفه مراقبون، منهم خالد شوكات، بأنه “أمر طبيعي”، أن تسعي النهضة والمعارضة عموما للعمل السري حينئذ لمقاومة الحكم الاستبدادي والعمل لإشعال الثورة ضده، وهو ما تحقق بثورة الياسمين!!