في اعتراف رسمي بتجاوز مصر حدود الإفلاس المالي، قال وزيرالمالية محمد معيط، أمس الاثنين: إن “معدل الدين للناتج المحلي انخفض من 103% في يونيو 2016 إلى نحو 80% من الناتج المحلي الإجمالي في يونيو 2020، ثم عاود الارتفاع مرة أخرى، بسبب التضخم وزيادة معدلات الفائدة ليصل إلى 95.7% في يونيو 2023”.
وذكر معيط أن الحكومة تعمل على إطالة عمر دين أجهزة الموازنة حتى 4 سنوات في المدى المتوسط، بدلا من 3 سنوات في الوقت الراهن، بغرض تقليل الحاجة إلى التمويلات السريعة.
وتأتي تلك الاعترافات، التي تمثل كارثة اقتصادية، وعجزا ممتدا لا يمكن تصور استمراره على المالية العامة المصرية التي تعاني قلة الموارد والعجز المستمر، لترسم سوادا قاتما على مستقبل البلاد الاقتصادي، والذي دخل مراحلة متقدمة من العجز والأزمات المستمرة، التي تقذف بملايين المصريين في دائرة المجاعات والفقر والانهيار الاقتصادي.
ووافق مجلس الوزراء أمس، على تعديل بعض أحكام قانون المالية العامة الموحد، وإحالته إلى مجلس النواب لمناقشته خلال جلساته الأسبوع المقبل.
ويستحدث القانون ما يسمى بموازنة الحكومة العامة تحقيقا لمبدأ شمولية الموازنة، بحيث تضم إيرادات ومصروفات الموازنة العامة للدولة وموازنات 59 هيئة اقتصادية، وذلك بصورة تدريجية خلال 5 سنوات.
وأفاد معيط بأن بداية عرض موازنة الحكومة العامة سيكون في العام المالي المقبل (2024-2025)، وتشمل موازنة الدولة وموازنات 40 هيئة اقتصادية من أصل 59.
وأضاف أن تعديل القانون يتضمن تغييرا جوهريا في المالية العامة للدولة، الهدف منه تحسين المؤشرات المالية بشمول إيرادات الدولة الموازنة العامة، وجميع الهيئات الاقتصادية، بما يصل إلى نحو 5 تريليونات جنيه سنويا، مقابل إيرادات الموازنة البالغة نحو 2.1 تريليون جنيه.
وهذا الإجراء عدّه خبراء محاولة لاسترضاء صنددوق النقد الدولي الذي يطالب بتوحيد الموازنة العامة للجولة، وإخراج المؤسسة العسكرية من الاقتصاد، وهو ما يستطيعه السيسي ويناور عبر ضم مواززنة بعض العيئات الاقتصادية، وهو ما لا يقبل به صندوق النقد الدولي من أجل إتمام صفقة القرض لمصر بنحو 7 مليار دولار.
وقال معيط: إن “وزارته تنسق حاليا مع الجهات المعنية في الدولة من أجل وضع سقف لدين أجهزة الموازنة والهيئات الاقتصادية، وتحديده سنويا، وعدم تجاوزه إلا بعد موافقة البرلمان، بما يتسق مع جهود الدولة الرامية إلى وضع معدل الدين للناتج المحلي في مسار نزولي مستدام”.
فوائد بنكية عالية تشل الدولة
وأدى ارتفاع تكاليف الاقتراض إلى الضغط على المالية العامة المصرية، وتضاعف عجز الموازنة العامة في الربع الأول من العام المالي الجاري (2023-2024) إلى 3.9% من الناتج المحلي الإجمالي، من 2.1% في الربع المماثل من العام المالي 2022-2023.
وبلغت فاتورة خدمة الديون نحو 477.5 مليار جنيه (نحو 14.5 مليار دولار)، خلال الربع الأول الممتد من يوليو 2023 إلى سبتمبر من العام نفسه.
وسمح البنك المركزي بتخفيض قيمة الجنيه بنحو النصف في الفترة من مارس 2022 إلى يناير 2023، قبل أن يثبته عند مستوى 30.95 جنيها للدولار، بينما يتداول الجنيه الآن عند نحو 63 جنيها للدولار في السوق الموازية (السوداء).
وتجاوزت مدفوعات الفوائد في الربع الأول من العام المالي الحالي إجمالي الإيرادات بنحو 40%، كما ارتفعت التزامات مصر لسداد أقساط الدين الخارجي والفوائد المستحقة في عام 2024 إلى 42.3 مليار دولار.
فوائد الدين
وقفزت فوائد الدين في الموازنة إلى تريليون و120 مليارا و100 مليون جنيه، مقابل 775 مليارا و200 مليون جنيه في التقديرات المتوقعة للسنة المالية المنقضية (2022-2023)، بزيادة قدرها نحو 344 مليارا و900 مليون جنيه، وبارتفاع نسبته 44.5%.
ومثّلت مدفوعات الفوائد نسبة 37.4% من إجمالي المصروفات، على خلفية ارتفاع أسعار الفائدة، وتكلفة الاقتراض لوزارة المالية، بالإضافة إلى أثر تغير سعر الصرف على قيمة الفوائد المسددة عن القروض بالعملة الأجنبية.
وهكذا تسير مصر من سيء إلى أسوأ، في انهيار متواصل غير مسبوق في ظل حكم عسكري غاشم لا يفقه سوى في تخريب الحياة المدنية فقط، وهو ما يدفع ثمنه المواطن المصري، فقرا وغلاء وبطالة ومرضا ونقصا بالدواء والغذاء وكل مقتضيات الحياة.