كيف فشل البرادعي في لجم اندفاع السيسي نحو مذبحة رابعة؟

- ‎فيتقارير

بعد انقلاب 3 يوليو 2013م ونجاح مؤسسات الدولة العميقة المتمردة في الإطاحة بالرئيس المنتخب بإرادة الشعب الحرة، كانت خطة هذه المؤسسات المتمردة هي تنفيذ المذبحة تلو الأخرى عبر الاستعانة بالبلطجية وأرباب السوابق ومليشيات رسمية من الجيش والشرطة، فكان البلطجية هم من يشنون الهجمات والاعتداءات باستمرار ضد المظاهرات الكثيفة التي كانت تخرج دعما للرئيس المنتخب بإرادة الشعب الحرة والذي كان مخطوفا من جانب هذه المؤسسات المتمردة على الشرعية. وكانت  مليشيات الجيش والشرطة تقوم بالمذابح الكبرى الأكثر بشاعة ووحشية بهدف كسر روح الثورة وإرادة الشعب وتطلعه نحو الحرية والمساواة والديمقراطية.

قبل فض الاعتصامين (رابعة والنهضة) في 14 أغسطس 2013م، كان الدكتور محمد البرادعي هو الوحيد الرافض لفض اعتصامي رابعة والنهضة في اجتماعات ما يسمى بـ«مجلس الدفاع الوطني» والذي كان يشارك فيها بصفته نائبا للموقت عدلي منصور، حيث كان البرادعي هو الوحيد الذي يتبنى ضرورة الحل السلمي للأزمة، بينما كان الباقون تتملكهم شهوة الدماء بدعوى فرض القانون على الشارع رغم أنهم جميعها بلا استثناء تمردوا على الدستور والقانون وإرادة الشعب الحرة واختطاف الرئيس المنتخب وحل الحكومة المنتخبة وتجميد الدستور الذي وافق عليه الشعب قبل ستة شهور فقط بنسبة 63.8%.

كان السيسي متحمسا  لسفك الدماء مدعوما من جميع أعضاء  ما يسمى بمجلس الأمن الوطني (وزير الداخلية محمد إبراهيم ـ الببلاوي ــ عدلي منصور ـ وزراء بالحكومة).

وفي غرة نوفمبر 2016م، كتب البرادعي تدوينة على صفحته الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"،  أدلى فيها بشهادته على الأحداث بدءا من مشهد الانقلاب الذي كان شريكا فيه ثم قبوله في 16 يوليو لمنصب نائب الرئيس بالتعيين من جانب المؤسسة العسكرية، وصولا إلى استقالته يوم 16 أغسطس 2013 غس اعتراضا على فض اعتصامي رابعة والنهضة.

يؤكد البرادعي أنه ساهم مع غيره، بما في ذلك ممثلين لقوى عربية وأجنبية، في مساعى للوساطة مع مؤيدى الرئيس مرسي، بمعرفة وتوافق الجميع بما في ذلك ممثلى المجلس العسكري، للتوصل إلى أُطر وتفاهمات لتجنب العنف الذي كان بدأ يتصاعد في اشتباكات بين مؤيدى الرئيس وقوات الأمن والذى أدى إلى وقوع الكثير من الضحايا. ويضيف البرادعي أن الهدف من وجوده في المنظومة الرسمية هو التوصل إلى صيغة تضمن مشاركة «كافة أبناء الوطن وتياراته» في الحياة السياسية حسبما ما جاء في بيان ٣ يوليو. على حد تصريحه.

ويتهم البرادعي السيسي ومؤسسات الدولة المتمردة بتصعيد الموقف وعدم الرغبة في حل الأزمة سلميا، مضيفا: «للأسف، وبالرغم من التوصل إلى تقدم ملموس نحو فض الاحتقان بأسلوب الحوار والذى استمر حتى يوم ١٣ أغسطس، فقد أخذت الأمور منحى آخر تماما بعد استخدام القوة لفض الاعتصامات وهو الأمر الذي كنت قد اعترضت عليه قطعيا في داخل مجلس الدفاع ألوطنى، ليس فقط لأسباب أخلاقية وإنما كذلك لوجود حلول سياسية شبه متفق عليها كان يمكن أن تنقذ البلاد من الانجراف في دائرة مفرغة من العنف والانقسام وما يترتب على ذلك من الانحراف بالثورة وخلق العقبات أمام تحقيقها لأهدافها».

ويكشف البرادعي أن ما جرى بعد  ذلك في خريطة الطريق كان يخالف قناعة الكثيرين، مستنكرا الهجوم الإعلامي عليه بخلاف التهديدات المباشرة  التي تلقاها خلال الفترة القصيرة التي قبل فيها المشاركة الرسمية في العمل العام، وذلك بسبب محاولاته التوصل إلى حل سلمى للأزمة السياسية. ويؤكد البرادعي أنه في ضوء ما تقدم من عنف وخداع وانحراف عن مسار الثورة فقد كان من المستحيل عليه الاستمرار في المشاركة في عمل عام يخالف كل قناعته ومبادئه، خاصة قدسية الحياة وإعلاء قيمة الحرية والكرامة الإنسانية، حتى وإن كان ذلك عكس التيار العام والهيستيريا السائدة في ذلك الوقت. على حد وصفه.

الحل السلمي للأزمة والذي أشار إليه البرادعي في تدوينته دون كشف المزيد من التفاصيل، تكفل الدكتور محمد محسوب، وزير الشئون القانونية في حكومة هشام قنديل، بالكشف عن تفاصيله؛ حيث كشف عن مبادرة أوروبية طرحتها " كاثرين آشتون"، تتضمن تفويض الرئيس مرسي رئيسا للوزراء وفقا للدستور يدير مرحلة تجري فيها انتخابات مع الاحتفاظ بالدستور وعودة الجيش لثكناته.. وتساءلت السيدة أشتون عن موقف الإخوان، فأكد لها الدكتور محمد على بشر أنه يمثل الإخوان في اللقاء وأنه يقبله. ولفت محسوب إلى أنه كان من ضمن المقترح الإفراج عن المعتقلين والقيادات ليكونوا شركاء في الحل وإنهاء الحملات الإعلامية التي تبيح دماء المعتصمين وتطالب فض الاعتصامات السلمية بقوة السلاح.في هذه الأثناء دعا محسوب وسائل الإعلام وهيئات المجتمع المدني والأحزاب للذهاب إلى الاعتصام والتأكد من خلوها من أي سلاح.

كان يتعين أن يعلن البرادعي عن التوصل إلى هذا الحل السلمي للأزمة في مؤتمره الصحفي مع كاثرين آشتون،  لكنه مُنع من أن يُبشر به الشعب المصري مما دعا  آشتون للانسحاب. ويفسر الدكتور محسوب ذلك بأن زعيم الانقلاب لم يرض عن ذلك الحل لأنه يعيق مسعاه الشخصي للاستيلاء على السلطة، لكنه لم يكن في مركز يُمكنه أن يرفضه علانية فينكشف عنه الغطاء السياسي الذي تدثر به في وقت كان لا يزال يحتاج إليه، فطلب من الدكتور البرادعي تأجيل الإعلان عن الحل متذرعا برفض غالبية ضباط الجيش وأنه يحتاج وقتا لإقناعهم.

هذه الحقائق هي التي دفعت البرادعي إلى الاستقالة من منصبه رفضا لفض الاعتصام بالقوة، لأنه لم يقدر على لجم اندفاع السيسي وعصابته نحو سفك الدماء الحرام؛ ولهذا استقال "ليس فقط لأسباب أخلاقية، وإنما كذلك لوجود حلول سياسية شبه متفق عليها، كان يمكن أن تنقذ البلاد من الانجراف في دائرة مفرغة من العنف والانقسام". وفي سبيل ذلك تعرض البرادعي للتهديدات من جانب أجهزة وصفها  بالسيادية لأنه كان يمضي في طريق حل الأزمة سلميا بينما كانت هذه الأجهزة  تصر على تعقيد الموقف وعدم حل الأزمة بشكل سلمي.