برهان جديد على فبركة بيانات الجيش بشأن ضحايا المواجهات العسكرية بسيناء

- ‎فيأخبار

قدمت منظمة «نحن نسجل» الحقوقية برهانا ماديا جديدا على فبركة الجيش المصري البيانات التي تتعلق بالمواجهات المسلحة بسيناء؛ حيث نشرت المنظمة مؤخرا تحقيقا استقصائيا كشف وقوع خسائر مضاعفة في صفوف قوات الجيش والشرطة في سيناء خلال عام 2020، وذلك مقارنة بما أعلنته البيانات الرسمية للمتحدث العسكري للجيش.
المنظمة في تحقيقها الاستقصائي الذي جاء بعنوان «سيناء.. حصاد الحقيقة»، كشفت أنها راجعت أكثر من 620 مصدر صحفي ومنصة تواصل اجتماعي بخلاف رصد وحصر الجنائز الشعبية والعسكرية والبيانات والأخبار الواردة عن تلك الهجمات،

إخفاء عدد القتلي الحقيقي

ومن خلال توثيق كل هذه الأحداث اكتشفت تعمد إخفاء المتحدث العسكري عدد القتلى الحقيقيين للجيش والشرطة. وأوضحت أن العدد الإجمالي الذي ذكرته البيانات الرسمية في 2020 من قتلى ومصابين هو 57 عسكريا فقط، بينما وثقت المنظمة مقتل ما لا يقل عن 121، بخلاف الجرحى، واستعرضت رتبهم العسكرية وأسماءهم وصورهم الشخصية.
وكشف التحقيق الاستقصائي أيضا توثيق 309 حالات اغتيال خارج نطاق القانون لأشخاص أعلن الجيش ومليشيات قبلية أنهم مسلحون قتلوا خلال اشتباكات، بينما أعلنت الشرطة عن تصفية 66 حالة فقط، غير أن المنظمة كشفت بعد تحليل الصور التي نشرتها بيانات الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية أن 45 حالة منهم يشتبه في أنهم قتلوا نتيجة لتصفية جسدية. إضافة إلى 39 حالة تصفية بحق مدنيين قتلتهم مسلحون من تنظيم ولاية سيناء خلال العام الماضي. وأثبت التحقيق حدوث واقعتي تصفية لشخصين بتاريخين مختلفين تطابقت فيهما معالم تصوير الجثتين.
ورصدت المنظمة كذلك وقوع 186 عملية استهدفت قوات الجيش والشرطة في محافظة شمال سيناء كان منها 73 عملية في مدينة رفح وحدها في نسبة تقارب 39% من إجمالي عمليات الاستهداف. وخلصت “نحن نسجل” في تحقيقها إلى أن ارتفاع وتيرة الهجمات في رفح رغم هدم المنازل وتهجير السكان يشير إلى أن سياسة التهجير التي اتبعتها السلطات المصرية بحق الأهالي ليست مجدية في محاربة الجماعات المسلحة.

فضحها يسري فودة من قبل
وكان الإعلامي يسري فودة قد كشف في مقال له (المنطق انتحر) على موقع "دويتش فيلا" الألماني في يوليو 2016م، أنه في إحدى حلقات برنامجه على الإذاعة الألمانية ذكر أرقام ضحايا الحرب على «الإرهاب المزعوم» في سيناء خلال الستة شهور التالية لانقلاب الجيش في 30 يونيو2013م وهي الفترة من يوليو حتى ديسمبر 2013م. والأرقام التي ذكرها هي: ("100" قتيل بصفوف الجيش والشرطة و50 قتيلا و450 مصابا في صفوف المدنيين، و200 قتيل و200 مصاب في صفوف المسلحين الذين وصفهم فودة بالجماعات التكفيرية اتساقا مع تصورات النظام، واعتقال 800 من المسلحين). وبدأ في مناقشة هذه الأرقام مع ضيوف حلقته اللواء أحمد رجائي عطية مؤسس الفرقة 777 لمكافحة الإرهاب، الذي توفي قبل يومين، والدكتور كمال حبيب، المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، وسعيد أعتيق، الناشط السياسي السيناوي.
يقول فودة: «حتى انتهت الفقرة الأولى وخرجنا إلى فاصل، فهرول إليّ أحد زملائي وعلى وجهه ابتسامة مندهشة. أستاذ! الشؤون المعنوية (للقوات المسلحة) اتصلوا وبيسألوني إحنا جبنا الأرقام دي منين- وقلتلهم إيه؟
* قلتلهم زي ما عملنا بالظبط .. وما عمله زميلي مع بقية الزملاء بالضبط وببساطة أنهم جمعوا، بتكليف مني، كل البيانات الرسمية الصادرة عن المتحدث الرسمي للقوات المسلحة خلال الفترة المعنية، من أول يوليو حتى اليوم (23 ديسمبر2013)، بيانًا بيانًا. قاموا بدراستها حرفًا حرفًا وباستخلاص المعلومات والإحصاءات معلومةً معلومة ورقمًا رقمًا، ثم قاموا بمهمة حسابية بسيطة في متناول تلميذ الصف الرابع الابتدائي جمعًا وطرحًا وضربًا وقسمة».
ويضيف فودة «لدى هذه النقطة ظننت أن الأمر انتهى وأنه لم يكن ليتعدى مجرد شغف ضابط صغير عندما رأى أرقامًا تبدو كبيرة و ربما فاته من أين استيقناها. لكنّ ما علمته أثناء الفاصل الثاني لم يكن ليقبله أي عقل ولا أي منطق. قال لي زملائي إن اتصالًا هاتفيًا آخر من إدارة الشؤون المعنوية كان غاضبًا وأن ضابطًا كبيرًا قال لهم إنه لم يكن ينبغي عليهم أن يقوموا بجمع أرقام الضحايا حتى لو كانت واردة في بيانات رسمية متفرقة، وأن الوزارة كلها "مقلوبة».

ويكمل فودة «كتمت في نفسي بصعوبة لفظاً مصرياً شعبياً يتكون من ثلاثة أحرف وأنا أجهد في تربية مجموعة منتقاة من الصحفيين الشباب المخلصين المهذبين. "ولا يهمّكم .. أنتم صح و هو غلط .. ولو حد اتصل بيكم تاني حوّلوه عليّ». ويعلق فودة على هذا الموقف أن المنطق انتحر والذي جعله عنوانا لمقاله، مضيفا أن المنطق الذي انتحر عندئذ قرر لاحقاً، بعد ذلك بأكثر من عام ونصف العام، أن يعود إلى الحياة مرة ثانية لمدة دقيقة واحدة قبل أن ينتحر مرة أخرى عندما كُشف النقاب، في بداية شهر يوليو 2015، عن مشروع قانون لمكافحة الإرهاب. في ظل مشروع القانون هذا "يُعاقَب بالحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أي عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية". وهو ما يصعب معه مقاومة طرح هذا السؤال: ما هي إذاً عقوبة ضابط يوبخ صحفيّاً التزم حرفيّاً بنصوص "البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية"؟ وماذا عن نشر أخبار أو بيانات حقيقية تخالف البيانات الصادرة عن الجهات المعنية؟»!
ومنذ سن قانون الإرهاب في 2015م، فرض النظام تعتيما كبيرا على ما يجري في سيناء؛ توقفت الأخبار وتوقفت التقارير الجادة والتحقيقات الاستقصائية والمقالات والتحليلات الرصينة ولكن الفبركة والتزييف والأكاذيب لم تتوقف.