هل حلّت عصابة الانقلاب بمصر مشاكل "سد النهضة" وسرقة الغاز وبيعه للكيان الصهيوني والفقر وغلاء الأسعار واعادة جزيرتي تيران وصنافير، حتى أصبح لديها فائضاً من الوقت تقضيه في التجسس على المصريين المطاردين في ألمانيا؟!
وعلى طريقة فيلم "مهمة في تل أبيب" للممثلة نادية الجندي، وتحت عبارة " الجاسوس المصري" أعلنت الشرطة الألمانية فتح تحقيق بشأن موظف أصوله مصرية يعمل في المكتب الإعلامي للمستشارة أنغيلا ميركل، للاشتباه بأنه يعمل منذ سنوات لحساب جهاز الأمن الوطني في مصر.
وقالت المتحدثة باسم الحكومة الألمانية إن الشخص الذي يخضع للتحقيق منذ أشهر "لم تكن لديه إمكانية الاطلاع على معلومات حساسة"، مضيفة بأن "التحقيق معه بدأ في ديسمبر الماضي ولا يزال مستمرا".
سخرية واسعة
وأحجمت المتحدثة باسم الحكومة عن ذكر المزيد من التفاصيل حول القضية إلا أن تقارير صحفية ألمانية قالت إن "مهام الموظف كانت تتركز في جمع بيانات عن النشطاء المصريين المعارضين وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين في ألمانيا بالإضافة لطالبي اللجوء السياسي".
ولم تعلق سلطات الانقلاب بمصر على التقرير الحكومي الألماني أو ما ذكرته المتحدثة باسم الحكومة، وحظيت تلك التقارير باهتمام رواد مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة النشطاء والسياسيين المصريين المقيمين في الخارج.
ويقول مراقبون إن التحقيق كشف عن حالة "التخبط والقلق الذي تعيشه حكومة الانقلاب بمصر"، كما روى مصريون يقيمون في الخارج تجاربهم مع من وصفوهم بـ "الجواسيس والأمنجية الذين يبلغون عن أية أحداث تقع في نطاق وجودهم أو ينشرون أخبار ترغب الجهات الحكومية في إشاعتها بين مواطنيها في الخارج".
يقول الناشط السيناوي عيد المرزوقي:" بعد إلقاء السلطات الألمانية القبض على جاسوس مصري يعمل في مكتب ميركل ستبدأ كافة الدول النظر بعين الريبة لكل مصري يعمل في اي مؤسسات مهمة أو منصب حساس؟ لماذا لأنه واضح جدا انه نوعية الجواسيس اللي تختارها المخابرات نوعية في مناصب أو في أماكن حساسه، وكل هذا للتجسس على الدول والنشطاء".
مكشوفين..!
ويقول الصحفي عمرو خليفة، المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية :" بمناسبة فضيحة الجاسوس المصرى فى ألمانيا و المخابرات و الأمن الوطنى. معلمومة على الماشى: هم موجودين هنا فى نيو يورك كمان و مكشوفين. فى مرة من المرات فى قهوتى المفضله العام الماضى واحد منهم كان بيتأكد أنا مين، العبقرى راح سأل القهوجى اللى بدوره جِه قالى: هو دة الصحفى عمرو خليفة؟".
من ناحية أخرى، تعامل معلقون آخرون مع الموضوع بنوع من السخرية واستعانوا بمقاطع من الأفلام لانتقاد سياسات سلطات الانقلاب في التعامل مع المعارضين في الخارج. ودعوا حكومة الانقلاب إلى التركيز على الملفات الحارقة التي تواجه بلادهم في الوقت الراهن كالمشاكل الاقتصادية وملف سد النهضة، بدلا من مراقبة نشاطات وتحركات المعارضين في الخارج، على حد قولهم.
وبحسب تقرير هيئة حماية الدستور، يعمل في ألمانيا جهازا المخابرات العامة والأمن الوطني المصريان، مضيفة أنهما يهدفان إلى "جمع معلومات عن المعارضين الذين يعيشون في ألمانيا، مثل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين".
ويستبعد التقرير أن يكون الموظف الذي لم تعلن جنسيته يجمع معلومات عن الحكومة الألمانية، ويعيش في ألمانيا بضعة ألاف من المصريين ويعتقد أن عددا كبيرا من بينهم ينتسبون جماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها حكومة الانقلاب بأنها "تنظيم إرهابي" وتطارد أعضاءه.
وفي سياق متصل، علق المدون محمد بدر متسائلا:" هل حلت الحكومة المصرية مشاكلها مع دول العالم الثالث حتى تتجسس على ألمانيا؟"، في حين رأى معلق آخر أن السلطات الألمانية تتحمل مسؤولية ما حدث لأنها تجاهلت سجل العسكر في حقوق الإنسان.
ويعيش المصريون المطاردون بفعل مواقفهم السياسية المناهضة لعصابة الانقلاب في مصر معاناة لا تنتهي، ودائما ما يرددون شعار "لا اللي خرج مرتاح ولا اللي جوه مرتاح".
ورغم أن بعض ممن لم يحالفهم التوفيق بالخروج من مصر، يغبطونهم على نعمة الأمن والحرية النسبية التي يتمتع بها هؤلاء المطاردون في البلدان التي فروا إليها، إلا أن كل مطارد منهم تقف وراءه قصة مأساوية، ويواجه مع وحشة الغربة التي أجبر عليها، مسلسل متواصل من المعاناة والتحديات.
وتختلف طبيعة التحديات والمعاناة، من شخص لأخر، بحسب عمره، ومهنته، وحالته الاجتماعية، وأيضا "القضائية"، ومؤهله الدراسي، فضلا عن طبيعة الدولة التي ساقته الأقدار للإقامة بها، ومدي تعاونها وعلاقتها بالانقلاب العسكري، سواء كانت إقامته في هذه الدولة باختيارها الشخصي، أو مجبرا على الإقامة بها.