مشاركة السيسي باختبارات “الحربية” ورفض الحضور لـ”الدستورية”.. رسائل وتداعيات

- ‎فيتقارير

ما بين مشاركة قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي بأخذ اختبارات طلاب الكلية الحربية، ورفضه دعوات عدة من هيئة المحكمة الدستورية لحضوره احتفالات اليوبيل الذهبي للمحكمة الدستورية، التي بدأت من السبت الماضي حتى أمس الاثنين، دلالات عدة تحمل في طياتها رعبه الشديد من العسكر الذين شاركوه في خيانته منذ 2013، وسط تقارير عدة عن تململ كبير بين قيادات الجيش جراء سياسات السيسي الكارثية في المجالات السياسية والحقوقية والاقتصادية، وتوريط الجيش في ملفات بعيدة عن تخصصه، سواء في إدارة الشركات أو أزمات الغذاء وارتفاع الأسعار، بجانب تعاطي السيسي السلبي مع ملف سيناء الذي يمثل عند بعض العسكريين ملفًا حساسًا بعد التفريط فيها، فيما السيسي يقدم خدماته للصهاينة ويعرض التنازل عن مساحات منها لمشاريع صفقة القرن، التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية.

بجانب تفريط السيسي في حقوق مصر المائية، التي تمثل خسارة استراتيجية لا يمكن تحملها على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

الضغط على القضاء

وفي إطار الخلافات المتصاعدة مع القضاة، رفض السيسي المشاركة في الاحتفال الذي أقامته المحكمة الدستورية العليا بمناسبة مرور نصف قرن على إنشائها، وبدلاً من تلبية دعوة المحكمة لزيارتها بهذه المناسبة وحضور المؤتمر الدولي الذي بدأ أمس الأول السبت ويستمر لثلاثة أيام، طلب السيسي من رئيس المحكمة، الذي عينه أخيرا، سعيد مرعي عمرو، الحضور لقصر الاتحادية الرئاسي بصحبة الضيوف القضاة والقانونيين من الدول الأجنبية والعربية، حيث عقد معهم جلسة تعريفية قصيرة بدور المحكمة، وبحضور مستشارين فقط من أعضائها، وهو ما أغضب الكثير من القضاة.

وموقف السيسي الأخير يكشف الفارق الكبير بين مشهد الأمس واليوم، إذ حرص السيسي في يونيو 2014 وفي الشهور التالية وتحديدا في عام 2015، على القيام بزيارات مختلفة للقضاة، كان أبرزها في يونيو من ذلك العام عندما زار محكمة النقض من دون مناسبة معروفة، وفي سبتمبر من العام نفسه عندما زار مجلس الدولة بحجة تجديد مبناه القديم. لكن الأمر لم يكن محوره آنذاك مجرد اختلاق حجة للزيارتين أو ليقدم السيسي دليلا على تقديره للقضاة، بل كانت الرسالة التي يحاول تكريسها حينها، أنّ نظامه الحاكم يعتمد بصورة مطلقة على القضاء ضلعا ثالثا وأساسيا، إلى جانب الجيش والشرطة، في القاعدة التي يرتكز عليها في ممارساته وسياساته، الأمر الذي تغير حاليا بشكل كبير، تحت وطأة توترات عديدة طرأت على العلاقة بين السيسي والقضاء.

وتذرع السيسي بالاعتبارات الأمنية لعدم الحضور، وسط اتصالات بين المحكمة الدستورية وعباس كامل رئيس جهاز المخابرات، واللواء محسن عبد النبي مدير مكتب السيسي، وسط تكهنات بأن السيسي يري أن يذهب إليه القضاة وليس العكس.

ولعل الأغرب أن يقاطع السيسي احتفاليات وفعاليات القضاة، في الوقت الذي يحرص فيه على حضور جميع فعاليات الجيش والشرطة ومؤسسات حكومية وخاصة أخرى، وهو ما يفسر حجم الأزمة المتفاقمة بين السيسي والقضاة، رغم تعديلاته اللادستورية التي مكنته من السيطرة عليهم وتعيينهم وتحديد رواتبهم وتقليم أظافرهم.

وإزاء الإصرار على تعليق رفض حضور السيسي على صعوبة التأمين، اقترحت المحكمة أن يتم تنظيم الاحتفالية بقاعة المنارة التابعة للجيش، والتي تعتبر المقر الرسمي لاحتفاليات الرئاسة حاليا، لكن المفاجأة أنّ الأخيرة رفضت ذلك أيضا، وعرضت فقط أن يكون الاحتفال تحت رعاية السيسي من دون حضوره، ما أكّد رؤية الأخير واتجاهه النهائي بمقاطعة احتفاليات وفعاليات القضاة، في الوقت الذي يحرص فيه على حضور جميع فعاليات الجيش والشرطة ومؤسسات حكومية وخاصة أخرى.

إهانات السيسي للقضاة

ولا ينفصل ازدراء السيسي لهذه المناسبة المهمة لدى القضاة عن السياق العام الذي يعمل به ضدّ مصالحهم في الآونة الأخيرة، خصوصًا منذ إجراء تعديلات واسعة على باب السلطة القضائية بالدستور في تعديلات إبريل الماضي، بالنصّ على “استقلال الموازنات الخاصة بالهيئات القضائية” في المادة 185، مع حذف عبارة أن تدرج كل موازنة في الموازنة العامة للدولة “رقمًا واحدًا”، حيث ستتم مراقبة موازنات جميع الهيئات وعلى رأسها المحكمة الدستورية، بتفاصيلها الداخلية وتصرفات الهيئات المختلفة فيها.

وبالتالي ينتهي عهد استقلال كل هيئة قضائية بموازنتها ونأيها عن الرقابة الداخلية، لتتحقق بذلك أهداف السيسي، والتي حاول تنفيذها منذ 4 سنوات عندما أصدر سلسلة من القوانين والقرارات لإخضاع القضاة للحد الأقصى للأجور، ولم يكن متمكنا من تنفيذها على نحو كامل بسبب استقلال الموازنات على النحو المقرر في دستور 2014.

كما أضافت التعديلات حماية دستورية على القانون الذي أصدره السيسي في إبريل 2017، والذي يجعله صاحب القرار الأخير في تعيين رؤساء الهيئات القضائية من بين أقدم 7 قضاة، مما أدى إلى انتفاء جدوى الطعون المرفوعة حالياً أمام المحكمة الدستورية على قانون تعيين رؤساء الهيئات، باعتبار أنّ النصوص المشكوك في دستوريتها ستغدو دستورا بحد ذاتها، وينتفي أساس الطعن فيها.

وأهدرت التعديلات الخاصة بنصوص المحكمة الدستورية استقلالها بالكامل، إذ أصبح رئيس السيسي يختار رئيسها من بين أقدم 5 أعضاء، ويعين عضو المحكمة الجديد من بين اثنين، تُرشِّح أحدهما الجمعية العامة للمحكمة ويُرشِّح الآخر رئيس المحكمة. ويعين السيسي أيضا رئيس هيئة مفوضي المحكمة وأعضاءها بناء على مقترح من رئيسها، بعد أخذ رأي جمعيتها العامة.

كذلك، سيتم إنشاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية برئاسة السيسي الذي سيتحكم بشكل كامل بالمجلس، الذي يضم كلا من رئيس المحكمة الدستورية ورئيس محكمة النقض ورئيس مجلس الدولة ورئيس النيابة الإدارية ورئيس هيئة قضايا الدولة، بالإضافة إلى رئيس محكمة استئناف القاهرة والنائب العام. وهؤلاء جميعا في الوقت الحالي معينون باختيار شخصي من السيسي، وهم الذين ستوكل إليهم ـ وفق النص الدستوري الجديد- مناقشة الشؤون المشتركة للهيئات وأعضائها والتعيينات فيها وإبداء الرأي في تعديلات القوانين المنظمة لها.

وحتى لا يترك أي فرصة لتمرير قرار أو موقف ضدّ إرادة السيسي، فعند أخذ التصويت على قرارات المجلس الأعلى، ولدى تساوي عدد الأصوات، يضمن النص الدستوري ترجيح كفة السيسي أو من يفوضه لرئاسة هذا المجلس. علماً بأنّ الأخير سيكون له أمين عام، سيعينه أيضاً السيسي لمدة يحددها القانون الذي من المنتظر أن يكون على رأس أعمال الدورة البرلمانية الحالية.

خضوع السيسي للبيادة

وفي مقابل الاستهانة بالقضاة، يواصل السيسي موالاته للعسكر والبيادة التي تحميه، مؤكدا أنه لا توجد مؤسسات في الدولة سوى الجيش والشرطة، أما القضاة وغيرهم فهم مجرد “مناديل كلينكس” يستخدمها ثم يلقيها في سلة المهملات.

وشارك قائد الانقلاب العسكري، في اختبار كشف الهيئة للطلبة المتقدمين للالتحاق بالكليات العسكرية، خلال تفقّده الكلية الحربية.

وصرّح السفير بسام راضي، المتحدّث باسم رئاسة الانقلاب، بأنّ السيسي ناقش خلال متابعته لإجراءات اختبارات الهيئة عددًا من الطلبة المتقدمين في بعض القضايا والموضوعات التي تُدار على الساحتين الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى بعض المعلومات العامة عن تاريخ مصر.

وهو ما وصفه الكاتب الصحفي جمال سلطان: إن هذا المشهد الاحتفالي يعطي انطباعًا بأنَّ السيسي ليس لديه أي اهتمامات أو مشاغل أخرى ولديه وقت فراغ كبير.

وأضاف- في مداخلة هاتفية لقناة “الجزيرة”- أن منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة منصب سياسي، ومثل هذه الإجراءات والاختبارات يشرف عليها قيادات فنية متخصصة، وهناك مهام أخرى وملفات حساسة منوط بها السيسي أهم وأخطر من اختبارات الكليات الحربية.

وأوضح أنَّ الزيارة تُعطي نظرة سلبية عن عسكرة الدولة، خاصة وأن السيسي منذ استيلائه على السلطة لم يلتقِ قادة الأحزاب السياسية سوى مرة واحدة، بينما التقى القيادات العسكرية عشرات المرات.

وأشار سلطان إلى أن توريث المناصب في أوساط القضاة والشرطة والجيش والدبلوماسيين منتشرة بشدة، لكن ليس مبررًا للسيسي لتعيين أبنائه وأقربائه في المؤسسات السيادية .

ولفت إلى أن “السيسي يعاني من هوس اللقطة، وحتى مؤتمرات الشباب تضم شبابًا تم إعدادهم في صوبٍ، وهم معزولون عن الناس، وخضعوا لاختبارات وتحريات أمنية، وليسوا من عامة شباب مصر”.