“ماكرون” يتمسك بالإساءة للرسول وحكومته تقترح تشريعا يجرم الإساءة للشرطة

- ‎فيعربي ودولي

في إصرار على الإساءة للإسلام ورسولنا الأعظم محمد -صلى الله عليه وسلم- أبدى الرئيس الفرنسي سيئ الذكر إيمانويل ماكرون، الاثنين 15 نوفمبر 2020، تمسكه بما أسماه حق نشر الرسوم المسيئة باعتباره حرية تعبير مصونة لا يمكن المس بها وفق الدستور الفرنسي.

وعبّر ماكرون عن أسفه لـ"الدعم الدولي الخجول نسبيًا" بعد الهجمات الأخيرة في بلاده، مجددًا التأكيد أن فرنسا لن "تُغيّر" من حقّها في حرية التعبير فقط "لأنه يُثير صدمة في الخارج".

وتأتي تصريحات ماكرون الصادمة في حوار نشرته مجلّة "لو غران كونتينان" على الإنترنت، وقال فيه: "منذ خمس سنوات، عندما قتلوا (يقصد المسلمين) مَن كانوا يرسمون الكاريكاتير (في صحيفة شارلي إيبدو)، سار العالم بأسره في باريس ودافع عن هذه الحقوق"، وفقًا لما ذكرته وكالة  الأنباء الفرنسية. وأبدى الرئيس الفرنسي استياءه من ردود الفعل الخجولة من جانب أصدقائه الأوروبيين مضيفا «الآن، لدينا مدرّس مذبوح، العديد من الأشخاص المذبوحين. لكن الكثير من رسائل التعزية كانت خجولة"، في إشارة إلى مقتل المدرّس الفرنسي صامويل باتي في 16 أكتوبر2020، وثلاثة أشخاص في مدينة نيس في التاسع والعشرين منه، بعدما عرض المدرس صوراً مسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم).

وأعرب ماكرون عن رفضه لمطالب شيخ الأزهر والقيادات الإسلامية بضرورة تجريم الإساءة للرموز الدينية لجميع الأديان درءا للفتنة؛ واعتبر ذلك مسا بحرية الرأي والتعبير في بلاده وأن هذه المطالب أصابته بصدمة قائلا: «لدينا مسؤولون سياسيّون ودينيّون من جزء من العالم الإسلامي قالوا بشكل منظم: عليهم تغيير هذا الحق. هذا الأمر يصدمني، أنا مع احترام الثقافات والحضارات لكني لن أغير حقي لأنه يثير صدمة في الخارج".

وكانت منظمة العفو الدولية قد وصفت سِجل فرنسا في حرية التعبير بأنه "قاتم"، مشيرة إلى أنه في كل عام يُدان آلاف الأشخاص بتهمة "ازدراء الموظفين العموميين".  وخلصت المنظمة غير الحكومية إلى أن "الحكومة الفرنسية ليست نصيرة حرية التعبير كما تزعم، ففي 2019، أدانت محكمة فرنسية رجلين بتهمة الازدراء، بعد أن أحرقا دمية تمثل الرئيس ماكرون خلال مظاهرة سلمية". فازدراء الرئيس الفرنسي تهمة يعاقب عليها القانون، وازدراء ديانة يعتنقها أكثر من 10% من الفرنسيين، ملياري شخص في العالم مسألة حرية رأي. وبهذا التناقض في تفسير حرية التعبير والرأي يكون ماكرون قد وضع فرنسا كلها في أزمة جديدة.

مشروع قانون فرنسي يجرم الإساءة للشرطة

وسرعان ما افتضح أمر الرئيس الفرنسي وحكومته؛  فالبرلمان الفرنسي يستعد حاليا لمناقشة مقترح قانون يجرم تداول صور مسيئة للشرطة بوسائل التواصل الاجتماعي؛ في الوقت الذي أبدى فيه الرئيس الفرنسي دعمه للإساءة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

وسيعرض مشروع  قانون "الأمن العام"، الذي قدمه حزب "الجمهورية إلى الأمام"، الذي أسسه ماكرون، على الجمعية العمومية (الغرفة الأولى للبرلمان) للنقاش ما بين 17 و20 نوفمبر الجاري. ويحظى هذا المقترح بدعم الحكومة وتحالف الأحزاب المؤيدة لها في البرلمان، مما يعني أن اعتماده مسألة وقت فقط، رغم معارضة الصحفيين والمنظمات الحقوقية بل وحتى القضائية له. ولا يُبدي ماكرون أي حرج في اعتماد قانون يعتبره إعلاميو بلاده ضد حرية التعبير والصحافة، بالرغم من أنه يدافع بشراسة عن حق صحيفة تعاني الإفلاس في نشر صور كاريكاتيرية مسيئة للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم).

وكان ماكرون  قد رفض في سبتمبر 2020م انتقاد مخجلة "شارلي إيبدو" على نشرها رسوما مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم رغم  أن هذه الرسوم تستفز نحو ملياري مسلم حول العالم؛ وفي تأبين المعلم الفرنسي صامويل باتي الذي قتل  بسبب نشره رسوما كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم أمام تلاميذ صفه في أكتوبر، قال "ماكرون" إن بلاده ستبقى متمسكة بـ"الرسوم الكاريكاتيرية"، كما أن  قيادت محلية فرنسية أعادت نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم على واجهات المباني وهو السلوك العدواني ضد المسلمين والذي دعمه ماكرون بشدة ولم يصدر عنه تصريح واحد يدين هذه الهمجية وذلك الانحطاط الفرنسي الصليبي.

وبحسب مراقبين  فإن هذا التناقض بين تجريم الصور المسيئة لضباط الشرطة والدرك الفرنسيين، وبين السماح بالإساءة للمسلمين ومقدساتهم، يؤكد أن الصور المسيئة للرسول كانت لأغراض انتخابية، وعداء ضد الإسلام، ولم يكن الأمر متعلقاً بحرية التعبير، كما يدعي الرئيس الفرنسي.

فنقابة الشرطة الفرنسية النافذة تضغط بشدة ومنذ زمن على الحكومة وأعضاء البرلمان، لاعتماد قانون يحميها من الصور والفيديوهات، التي تصفها بـ"المسيئة" لها، أثناء الخدمة، والتي يتداولها ناشطون عبر شبكات التواصل الاجتماعي، خصوصاً خلال احتجاجات "السترات الصفراء" بين 2018 و 2019. لكن 30 عضواً في جمعية الصحفيين الفرنسيين نشروا رسالة مفتوحة في 8 نوفمبر الجاري، اعتبروا فيها مشروع هذا القانون المعروف بـ"الأمن العام" أنه "تهديد لحرية التعبير".

ويثير مقترح هذا القانون قلق وغضب الناشطين الإعلاميين والحقوقيين، لأنهم يعتقدون أنه من شأنه تعزيز إفلات مرتكبي العنف من أفراد الشرطة من العقاب، بل ويسمح لهم بـ"إخفاء انزلاقاتهم وتجاوزاتهم"، و"إزالة مصدر أدلة مهم أثناء ارتكابهم للقمع".

والأمر لم يقتصر فقط على الصحفيين المعنيين بشكل مباشر بتغطية الأحداث التي تكون الشرطة طرفاً فيها، بل إن 800 من منتجي الأفلام والمصورين قالوا إن مشروع قانون "الأمن العام" يرقى إلى مستوى "الرقابة". وأعطوا مثالاً عن فيلم وثائقي بارز يصوِّر عنف الشرطة خلال احتجاجات "السترات الصفراء"، ويحمل عنوان "بلد يحافظ على نفسه"، واعتبروا أن هذا الوثائقي ما كان سيبث لو كان هذا القانون موجوداً.

وكانت منظمة العفو الدولية قد حذرت من أنه إذا أقر القانون، فإن الحكومة الفرنسية ستنتهك ميثاق الأمم المتحدة الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، الذي يحمي حرية التعبير. لأن مشروع القانون الأمني الجديد يقترح حظر النشر لصور أفراد الشرطة والدرك "خلال أداء مهامهم في حفظ النظام العام"، ويفرض عقوبات ثقيلة تصل إلى السجن لعام كامل، وغرامة قدرها 45 ألف يورو.

ويحاول ماكرون، عبر مشروع قانون يتم إعداده حول ما سمّاه "الإسلام التنويري" و"محاربة الانعزالية الإسلامية"، تكوين أئمة فرنسيين يتقبلون فكرة الإساءة لنبيهم، على أنها حرية رأي، كما يسعى لتقليص تأثير الأسر الفرنسية المسلمة في تربية أبنائها وفق معتقداتهم وثقافتهم الخاصة. وهي التوجهات العدوانية التي تحظى بدعم واسع من جانب حكومات النظم العربية المستبدة في مصر والسعودية والإمارات. لكن النظام العلماني الفرنسي يبدو أنه يتخذ من سن القوانين التي تضطهد المسلمين نقطة انطلاق نحو حصار الحريات في المجتمع الفرنسي بدعوى حماية الثوابت العلمانية للدولة؛ وما مشروع قانون "الأمن العام" سوى خطوة نحو تشديد سياستها القمعية ضد حرية الرأي والتعبير والتظاهر، بل وحتى التدخل السافر في حق الاعتقاد.