ماذا بعد مظاهرات 20 سبتمبر؟ سيناريوهات المشهد الثوري خلال الفترة المقبلة

- ‎فيتقارير

تكشف تجربة انتفاضة 20 سبتمبر 2019 أن الدعوة الأولى نجحت نسبيا في إحراج نظام العسكر وزعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي عندما بثت الفضائيات الموالية للثورة مشاهد الثوار وهم يدوسون بأحذيتهم فوق صور ولافتات السيسي والهتافات المدوية بسقوط السيسي ونظامه. لكن الدعوة في  الأسبوع التالي لم تحقق شيئا لأسباب أمنية بامتياز؛ حيث اعتقل السيسي خلال هذا الأسبوع نحو 4 آلاف من النشطاء الذين شاركوا في انتفاضة 20 سبتمبر، فهل يتكرر هذا المشهد أم أن السيناريو هذه المرة سيأخذ شكلا مختلفا؟ وكيف يمكن تجنب سيناريو العام الماضي هذه المرة؟

وأمام هذه المعطيات يمكن أن نتوقع هذه السيناريوهات:

الأول،  استمرار حالة الحراك الثوري وتوسعه؛ لأن البدايات دائما تكون بالغة الصعوبة لكنها في غاية الأهمية وعدد الذين تظاهروا أمس لا يقلون بحال من الأحوال عن الذين تظاهروا يوم 25 يناير 2011م، وتكتسب أهمية مظاهرات يوم الأحد أنها مثلت محطة لكسر  جدار الخوف والإرهاب السلطوي، وبعض مظاهرات أمس جرى وفقا لقاعدة  عدوى التظاهر؛ فمشاهد التظاهرات التي جرت نهارا في بعض قرى الجيزة حفزت آخرين في أماكن أخرى فخرجت المظاهرات ولعل هذا ما يفسر خروج بعض المظاهرات في أوقات متأخر من مساء الأحد. المهم في هذا السيناريو هو تواصل التظاهر كل يوم مع أهمية التركيز على الشعارات التي تحفز المواطنين على التظاهر وتذكيرهم باستمرار بحملات إزالة البيوت والغلاء الفاحش والفقر والجوع والظلم الاجتماعي؛ لأن الثورة لن تنجح إلا بانضمام ملايين المصريين الذين يعانون من ظلم النظام وباتوا مهددين في لقمة عيشهم وحتى بيوتهم التي تؤويهم؛ فهؤلاء الغاضبون وحدهم هم القادرون على التصدي لكل أجهزة السيسي الأمنية، كما جرى ضد حملات الإزالة في المنشية بالإسكندرية والخانكة بالقليوبية والدويقة بالقاهرة حيث تم إجبار هذه الحملات على التراجع وعدم تنفيذ قرارات الهدم، وهي سابقة لها دلالات خطيرة وتحولا كبيرا في المشهد الثوري يجب استثماره وتعزيزه.

الثاني،  أن تخمد جذوة الاحتجاج على وقع الحملات الأمنية وتعزيز النظام لانتشاره الأمني في القاهرة  والمناطق التي شهدت تظاهرات ضد النظام، ولن ينجح النظام في تحقيق هذا الهدف إلإ إذا لم تأخد الاحتجاجات بعدها الاجتماعي والاقتصادي وتراجع المطالب السياسية رغم أنها الأساس وهي الحل لكن الصواب أن تكون لاحقة للخطاب الاجتماعي والاقتصادي والتركيز على الفقر والغلاء والظلم الاجتماعي وهدم المنازل والمساجد.

وإلى جانب التوقع بشن حملات أمنية على المناطق المشتعلة فالنظام سيستمر في حالة الهدوء المؤقت في ملف هدم المنازل وذلك لعدم توظيف الغضب الشعبي وتحويله إلى مسار ثوري يهدد بقاء النظام خصوصا وأن النظام حاليا مشغول بتمرير مسرحية البرلمان والذي تتولى أجهزة السيسي الأمنية هندسته وتصميمه بما يجعله خادما للسلطة وأجندتها بما يجعله معبرا عنها وليس عن الشعب الذي جرى تهميشه وإقصاءه منذ انقلاب 3 يوليو 2013م.

جذوة الغضب الشعبي

في كل الأحوال لن تخمد جذوة الغضب الشعبي حتى لو لم تستمر انتفاضة 20 سبتمبر؛ ذلك أن سياسات النظام تتكفل بإشعال الغضب الشعبي بالقرارات والسياسات التي تستهدف نهب جيوب الناس، قرارات الهدم والإزالة ستتواصل وفرض الإتاوات لن يتوقف والغلاء ستواصل دون توقف وسيحرق الملايين بالفقر والجوع وكلها عوامل مفضية إلى الانفجار ؛ سواء كان الانفجار سياسيا أو اجتماعيا؛ فزيادة معدلات الفقر والبطالة ستسهم في زيادة معدلات الجريمة وبما يمكن أن يفضي إلى تفكك المجتمع وإشعال فوضى واسعة لا يمكن احتواؤها.

من المهم أن نعلم أن المظاهرات وحدها لا يمكن أن تسهم في سقوط النظام حتى لو كانت واسعة وممتدة في كل محافظات مصر؛ فالأمر يرتبط أيضا بقناعة أجنحة داخل  مؤسسات القوة أن بقاء السيسي سيفضي إلى تفكك النظام ذاته وأن التضحية بالسيسي أولى من الانتظار حتى يتفكك النظام كله؛ وهذا أيضا لن يتحقق إلا في حالة سيولة داخل الرعاة الدوليين للنظام وخصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية التي تشهد بالفعل حالة سيولة بفعل تفشي جائحة كورونا من جهة والاستعداد لانتخابات الرئاسة في نوفمبر المقبل، والتي يتوقع أن  تشهد سقوطا مدويا لدونالد ترامب الذي يعد أكبر الداعمين لنظام السيسي. معنى ذلك أن المعادلة المحلية والإقليمية والدولية تتغير وأن مستويات الدعم الكبيرة التي يحظى بها نظام السيسي تشهد تراجعا ملحوظا ، وأي إطاحة مفاجئة بالسيسي سوف تضع كل هؤلاء أمام سيناريو سيتوسلون فيه القوى الجديدة في مصر من أجل أن تبقى على خيوط التواصل معها. ويبقى خوف الثوار من سيسي جديد هو العامل الأهم لأن المشكلة ليست مع السيسي وحده بل مع منظومة لاتفتأ تنتج آلاف السيسي ما دام العسكر يرون أنفسهم أوصياء على مصر وشعبها والأحق بحكمها حتى لو بالحديد والنار.