حرب السيسي على ثروة مصر الزراعية والعقارية.. أزمة «الحزام الأخضر» نموذجا

- ‎فيتقارير

في مرحلة ما بعد الانقلاب العسكري، استولى ضباط برتب مختلفة من هيئة الرقابة الإدارية وآخرون بجهاز المخابرات ومباحث أمن الدولة على 12 ألف فدان في منطقة الحزام الأخضر حول مدينة 6 أكتوبر بمعدل 5 إلى 10 أفدنة للفرد حسب الرتبة.

وبعد تشكيل الدكتاتور عبدالفتاح السيسي لجنة تحت مسمى "لجنة استرداد أراضي الدولة" برئاسة رئيس الحكومة وقتها المهندس إبراهيم محلب، قامت الحكومة واللجنة بالتستر على هذا الفساد وبدلا من استرداد أراضي الحزام الأخضر لملكية الدولة باعتبارها أرضا زراعية؛ قام محلب بنقل تبعية الأراضي الزراعية التي استولى عليها الضباط من وزارة الزراعة إلى هيئة المجتمعات العمرانية لتحويلها إلى مساكن وعقارات، وإمدادها بمرافق الكهرباء ومياه الشرب والصرف الصحي، رغم أنها أراض زراعية في الأساس تعود ملكيتها إلى الشعب.

وعندما تفجرت الأزمة في 2016م، لم يهدد السيسي هؤلاء الضباط الذين سطوا على أراضي الدولة وحصلوا عليها بثمن بخس وبإجراءات شابها فساد كبير، بهدم عقارتهم ومشروعاتهم بل جرى تقنين هذه السرقات بأبخس الأثمان؛ حيث أعطت هيئة المجتمعات العمرانية مهلة لملاك الأراضى من الضباط للتصالح المريح. وقام نائب رئيس الهيئة للشئون التجارية والعقارية بتحديد قيمة تغيير النشاط من أراضى زراعية إلى سكنية شاملة المرافق بواقع 435 جنيهاً للمتر المربع بالإضافة إلى شبكات المرافق الداخلية بواقع 384 جنيهاً للمتر، رغم أن سعر الأرض السكنية وصل في المنطقة إلى 3 آلاف جنيه للمتر. وعرضت الهيئة على الملاك تطوير أراضيهم وتحويلها إلى مساكن كاملة المرافق بأسعار منخفضة وبالتقسيط المريح.

 

خلاف بين الضباط

بعد تحويل جزء من المنطقة إلى مساكن غالية الثمن وأخرى زراعية متدنية القيمة نشب خلاف كبير بين ضباط المخابرات. وتدخل نجل السيسي الضابط محمود الذي يتولى منصبا حساسا بالجهاز لحل الخلاف، وبدلا من الحصول على حق الدولة من كبار السادة الضباط والجنرالات ؛ أصدر السيسي قرارا جمهوريا في فبراير 2017 بتحويل جميع أرضي الحزام الأخضر بمدينة 6 أكتوبر وأراضي الثورة الخضراء بمدينة الشيخ زايد والتي تبلغ مساحتها 60 ألف فدان من أراضي زراعية إلى مناطق سكنية، مع توصيل المرافق لها بأسعار رمزية، ليشتري ولاء الضباط على حساب الرقعة الزراعية التي يقول إنه يحافظ عليها.

وبحسب الدكتور عبدالتواب بركات، الخبير في الشئون الزراعية والأمن  الغذائي، فإن السيسي ليس الحارس الأمين على الأراضي الزراعية، ولا الأمن الغذائي ومستقبل الأجيال القادمة، وليس لديه مانع من بناء التجمعات السكنية عليها، وقد اعترف صراحة بعدم ممانعته البناء على الأرض الزراعية بقوله "أنا بقبل إني أبني.. وحتى على أرض زراعية؟ أيوة طبعا، لكن أنا أخططلك الأرض.. وأبنيلك حتى لو كانت على أرض زراعية".

ويؤكد بركات أن السيسي يحمل مشروعا لتدمير مصر وثروتها العقارية والزراعية مستدلا على ذلك بأزمة الحزام الأخضر من جهة ، بخلاف تدميره لمدينتي رفح والشيخ زويد وجميع مزارع الزيتون في الحدود المتأخمة لقطاع غزة بدعوى الحرب على الإرهاب. كما أن السيسي يصر منذ سنوات على تحويل جزيرة الوراق من أراض زراعية إلى مشروع عمراني لسحاب مستثمرين إماراتيين تربطهم علاقات وثيقة بجنرالات كبار بالمؤسسة العسكرية.

وكان رئيس الانقلاب الذي لم يخض حربا طوال حياته العسكرية، سوى قتل آلاف المصريين في الشوارع والميادين، شن، في تصريحات له في 29 أغسطس 2020، حربا على عشرات الملايين من المصريين بدعوى أنهم أقاموا منازلهم منذ عشرات السنين بالمخالفة للقانون؛ وهدد بنشر الجيش لإبادة آلاف القرى بدعوى أنها بنيت بالمخالفة للقانون، ووجه كلامه لوزير دفاعه محمد زكي قائلا:  "الدولة بمؤسساتها كلها يا محمد يا زكي مسؤولة عن حماية الدولة المصرية.. والله لو الأمر استدعى هخلي الجيش المصري ينزل كل قرى مصر.. الموضوع ده لن أسمح به.. أنا جبت معدات هندسية تكفي إني أشيل وأبيد كل المخالفات.. وبقول للسادة المحافظين والسادة مديري الأمن اللي موجودين.. ما دام سكت وقولت آه تنفذ الكلام.. المسؤولين عن الدولة يا إما رجال مظبوطين يتصدوا لقضايا بلدهم مظبوط.. لحاجة تانية.. مش وقتها" وفق تعبيره.

 

حرب السيسي على الثروة العقارية

وكان وزير التنمية المحلية بحكومة الانقلاب، محمود شعراوي،  قد كشف عن مخطط هدم البيوت من خلال موجات منظمة. في تقرير أمام مجلس الوزراء في نهاية أعسطس 2020م تحت عنوان "الموجة الـ 16 للإزالات". وقال إنه خلال تلك "الموجة" وحدها تمت إزالة 11 ألف مبنى مملوك لأشخاص داخل الحيز العمراني، و20 ألف مخالفة بناء على الأراضي الزراعية خارج الحيز العمراني. وتمت إحالة 12641 مواطن إلى النيابة العسكرية خلال الفترة من 25 مارس حتى 17 أغسطس الماضيين.

وفي "الموجة الـ 15 للإزالات" أعلن شعراوي عن إزالة أكثر من 12 ألف مبنى خلال خلال شهر فبراير2020. وأعلن في آخر أبريل الماضي عن حصاد الموجة الـ 14 للإزالات، فقال إنه تمت إزالة قرابة 8 آلاف مبنى على أراضي مملوكة للدولة وأخرى مملوكة للأشخاص. وفي لقاء مع سكرتيري عموم المحافظات أن السيد رئيس الجمهورية يتابع ملف إزالة مخالفات البناء بصورة مستمرة، وحثهم بقوله "استغلوا قوة الدفع التى أعطاها السيسى لهذا الملف ونفذوا القانون بكل حسم مع كافة حالات التعدى لاسترداد حقوق الدولة". وأمرهم بتنفيذ الأمر الصادر من رئيس الوزراء بضرورة تسوية المباني تماما بالأرض حتى لا يعاد المبنى مرة أخرى كما كان يحدث في عهد مبارك.