براءة “الإخوان” من ثَقْبِ الأوزون

- ‎فيمقالات

من الطرائف التى تخيلها مراقبون لبلايا الأنظمة المصرية المستبدة، الجريئة فيما تلفقه لخصومها، أن تتهم هذه الأنظمة “الإخوان” بـ”ثَقْبِ الأوزون” وما يمثله ذلك من خطر على البشرية. وقد احتفلت “السوشيال ميديا” -مؤخرًا- ببراءة “الإخوان” من هذه التهمة، بعدما صرحت “المنظمة العالمية للأرصاد الجوية –التابعة للأمم المتحدة”، نهاية شهر أبريل الماضى، بأن (تآكل طبقة الأوزون فوق القطب الشمالى بلغ مستوى قياسيًّا فى مارس هو الأكبر منذ 2011م، لكن الثقب أُغلق الآن)؛ ما يؤكد أن الجريمة سببتها النفايات الغازية والمخلفات البشرية الصاعدة التى توقفت قسرًا بعد محنة “كورونا” وتعطل الأنشطة الإنسانية.

وهذه التهمة “الخيالية” شبيهة بتهمة أخرى أُلصقت بـ”الجماعة” عام 1992م؛ بأنهم مَنْ تسببوا فى الزلزال الذى ضرب المحروسة وأنهك القاهرة، وقال الظرفاء وقتها إن سبب اتهام النظام لـ”الإخوان” أن لديهم عددًا كبيرًا من علماء الجيولوجيا، منهم متخصصون فى الصفائح الأرضية، أعضاء فى مكتب الإرشاد؛ أى يستطيعون تحريك الزلازل أو إيقافها.

ومثلها الآن تهمة “الأطباء إخوان”، وهى تهمة افتراضية مضحكة، هدفها إلقاء تهم الفشل والفساد وانهيار المنظومة الصحية على الأطباء، من ناحية، وتأكيد “عدم وطنية الإخوان” من ناحية ثانية. ونقول تهمة افتراضية مضحكة؛ لأن مجموعة الأطباء الذين قدموا استقالتهم وأثاروا الضجة كانوا تسعة، بينهم ثلاثة أقباط؛ ولأن مجلس نقابة الأطباء الحالى معادٍ كله لـ”الإخوان” موالٍ للنظام؛ ولأن عدد الأطباء فى المحروسة يزيد على مائتى ألف، فى حين غيبت السجون أطباء “الجماعة”، ومن نجا منها فهو إما مهاجر أو مطارَد.

وهى اتهامات أيضًا رخيصة يبررها إعلام كذوب، ويؤكدها إمعات عبيد للسلطة، عقولهم فى أقدامهم، مثل الذى أتى بالدليل على أن أحد الأطباء المستقيلين من الإخوان من خلال صور نشرها على حسابه وهو يرفع شارة “رابعة”، وقد اتضح أن تلك الشارة كانت احتفالًا بانتهاء السنة الرابعة له بالكلية، ويبدو أسفل الصورة تاريخ الاحتفال وهو عام 2012م، أما “رابعة” فكانت فى أغسطس 2013م كما هو معلوم. أما “الإمعة” فلفرط غبائه أو لفرط حقده أشاع أن الطبيب من أنصار “رابعة”.

وأتى إمعة آخر، يزداد غباء على صاحبه، بدليل عجيب على أن “كل الأطباء إخوان!” بقوله إن مسئولى كنترولات الثانوية العامة جميعهم من الإخوان، والذين كانوا يطلبون من طلاب الجماعة وضع رموز على أوراق إجابتهم، فيلتقطونها عند التصحيح ويعطونهم أعلى الدرجات فيدخلون كليات الطب!

والغرض من هذه الاتهامات، إضافة إلى ما سبق، أن يرضى المواطن بقضاء العسكر وقدرهم، وأن يسمع لهم ويطيع، ولو قتلوه وحرقوه، وإلا اتُهم بأنه “إخوانى”، وهو يرى ما يُفعل بالإخوان. من ثمَّ لا يحق له نقد النظام، أو معارضته، أو كشف فشله وسوءته؛ فالطبيب عليه أن يعمل من دون إمكانات، بلا شكوى، ومن دون تحسين أوضاع بيئة العمل، ثم عليه أن يتحمل النتائج، فإذا ما وقعت –لا سمح الله- كارثة فليس للوزارة التى رفعت يدها عن المستشفيات ذنبٌ فيها، أما الذين يموتون إهمالًا لعدم وجود أجهزة تنفس أو حجرات رعاية فهم ضحايا الطبيب “الإخوانى” المتمرد!

وعلى المصريين عمومًا -وحسب هذه السياسة- أن يعيشوا راضين بالفشل والفساد والاستبداد، محتفين بالظلم، مصاحبين للفقر والمرض، فإن أبدى أحدهم أى تململ فهو “إخوانى محرِّض”، وإن شكا فهو “خائن للوطنية”؛ إذ الوطنية فى تعريف العسكر أن تعيش منكسرًا ذليلًا، غير معترض على ارتفاع أسعار أو فرض إتاوة، بل أن تهتف لمصر ثلاث مرات كل يوم وليلة، وأن تحمد الله أن لك بيتًا يؤويك وجيشًا يحميك، وأن بلدك ليس مثل سوريا والعراق، وعليك أن تنكر ذاتك، وتنسى حياتك ومستقبل فلذاتك، وأن تعمل وتعمل ليهنأ اللصوص وليولد أبناؤهم الأكرمون وفى أفواههم ملاعق من ذهب.

سيظل العسكر يطلقون هذه الاتهامات الافتراضية المضحكة ما بقى بيننا حمقى يصدقونهم، كما صدقوا أن “أوباما إخوان”، وأن “بى بى سى إخوان”، وأن هناك “خلايا نائمة” وأخرى “قائمة”، وأننا اختطفنا قائد الأسطول السادس الأمريكى، وأن أسفل منصة “رابعة” مئات الجثث التى قُتلتْ صبرًا، وأن المعتصمين الذين قتلوهم ومثَّلوا بهم يملكون أسلحة نووية.

ولسوف يظلون يعتقلون الإخوان ويعذبونهم ويضيِّقون عليهم، وينشرون ذلك ويشيعونه؛ ليعلم القاصى والدانى مصير من يعارضهم، ومصير كل حر يقول الحق، فينصرف أغلب الناس عن السياسة وعن الخوض فى مصائب النظام، فتدوم بذلك لهم السلطة.