“المرشد العام” يكتب: الاعتراف بنعم الله أولى مراحل الشكر

- ‎فيمقالات

أخي المهموم، أخي المكلوم، أخي المظلوم، أخي المبتلى، أخي البائس، أخي اليائس، أخي المتقلب في نعم الله وأنت غافل، أخي المغرور بسلطان وجاهٍ زائل، يا كل أخ لي ولدته أمي أو ولدته أخت مسلمة في كل مكانٍ.. أعطني قلبك قبل أذنيك لينزل هذا العلاج على قلبك كما نزل على الحبيب المصطفى طبيب القلوب المريضة، وشفاء عضال العلل، تذكر حالة الصحة التي كنتَ فيها قبل أن تمرض، تذكر حالات الضعف التي كنتَ فيها وأنت في قوةٍ وحالات زوال الملك والسلطان وأنت في القمة، وحالات الفقر وأنت في غنى، وانظر حولك في تدبرٍ تجد حالات تخالف حالاتك أصحابها في رضا وقناعة أو في صبرٍ وضراعة، كما قال الرجل المبتلى بفقد بصره وقدميه ويديه، وهو يقول “الحمد لله الذي عافني مما ابتلى به كثيرًا من خلقه” فقال له المسيح عليه السلام: “وما الذي عندك وعافاك الله به؟ قال الرجل: إن الله رزقني قلبًا شاكرًا ولسانًا ذاكرًا”.

اسمع يا أخي قول ربك- عز وجل- اسمع صوت الوحي الندي من جبريل عليه السلام حاملاً هذه الآية لينطلق بها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ (إبراهيم: من الآية 5).

صبار: كثير الصبر بمزيدٍ أكثر من الشكر لأن مقابلها شكور وأختها صبور، وانظر في نفس المشكاة فهي التي يخرج منها نور النبوة لترى الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وسلم- يعطيك بيده الشريفة جرعةَ علاجٍ طويلة المفعول مضادة لكل السموم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “مَن نظر في دينه إلى مَن هو أدنى منه وفي دنياه إلى مَن هو أعلى منه لم يكتبه الله لا صابرًا ولا شكورًا” (رواه الترمذي)، ودعاء الحبيب- صلى الله عليه وسلم- الذي به القلب يطيب، وتذوب النفس خشوعًا وفقرًا وذلاً لخالقها: “اللهم أجعلني لك صبارًا، لك شكَّارًا، لك ذكَّارًا، واجعلني إليك أواهًا منيبًا”.

أخي.. في رحلة شرح الصدر.. لكَ منا فيها نصيب تناله من خيرها: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ (الشرح)، بلى يا رب.. ﴿وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (2)﴾.. بلى يا رب ﴿الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ (3)﴾ بلى يا رب ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)﴾.. بلى يا رب ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5)﴾ (الشرح)، وما مناسبتها هنا.؟ أليست تقال في ضيق بعد فرج؟ وعسر بعد يسر؟ يبشر ربنا بيسر بعده بل بيسرين سيهزمانه بقدرة الله.

فيا كل مَن نقصَ رصيده من النعمة والعافية، ومن الستر.. إلى أي درجةٍ كنت تعترف بما أبقاه لك المنعم المتفضل في دعائك المأثور عن نبيك محمد- صلى الله عليه وسلم-: “اللهم إني أصبحت- أمست- منك في نعمة وعافية وستر، فأتم عليَّ نعمتك وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة”، بل هذا يتضمن أنك دائمًا تتقلب في نعمةٍ من الله وفضل مهما سلب منك امتحانًا واختبارًا أو تطهيرًا وغفرانًا، وما زلت في أمسِّ الحاجة لمزيدِ فضل الله إلى أن تدخل الجنة، وهنا فقط تتم النعمة والعافية والستر في الآخرة.

فليكن هذا منهاج حياة لك.. أن تحمد الله- عزَّ وجلَّ- على الموجود، ثم بعد ذلك تطلب المفقود.

ولا يفوتني هنا أن أنبه إلى خبير الجواهر واللآلئ الأستاذ البنا- رحمه الله وجزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء- فقد اختار هذا الدعاء الجوهرة، وجاء بجوهرةٍ أخرى بجواره في الأذكار التي جمعها عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليزداد كل دعاءٍ منهما بريقًا عندما يتجاوران: “اللهم ما أصبح- أمسى- بي من نعمةٍ أو بأحدٍ من خلقك، فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر” أخي.. ماذا ظهر من معانٍ تربوية جديدة عندما التقى الدعاءان؟.

يا رب بعد أن اعترفت لك بفضلك عليَّ من نعمٍ لا تُحصى ولا تعد، أعترف بأنك مصدر تلك النعم ليس فقط التي عندي بل التي عند غيري، وقد لا يشكرك عليها فأنا أعتذرُ عن الذين لا يشكرون ولا يعرفون قدرك ولا يوفونك حقك، وأشكرك نيابةً عنهم ثم ألوذُ بجانبك يا رب ضارعًا متذللاً، فماذا أفعل يا رب وقد مسني الشيطان بنُصبٍ وعذاب.

الأمر بسيط وسهل ويسير على مَن يسره الله تعالى له، انتقل من هذه الحالة النفسية، اقتحم العقبة، احذر الفراغ القاتل، احذر أن تتبع الشيطان بخطواته الخبيثة الناعمة الكاذبة، فيتنصل منك ويقول: ﴿وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾ (إبراهيم: من الآية 22)، فلتتنصل الآن وقلها قبل أن يقولها، واهزمه قبل أن يهزمك.

كيف السبيل إلى ذلك؟ ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7)﴾ (الشرح)، اشغل نفسك بالخير دائمًا وجدد النية، ﴿وَلا آبَاؤُكُمْ قُلْ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ﴾ (الأنعام: من الآية 91)، ﴿وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ﴾ (المزمل: من الآية 11)، ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11)﴾ (المدثر)، اتركهم لعقاب الله واشغل نفسك بمعية ربك، ومراد ربك منك، ولا تشغل نفسك بما ضمن لك عما طلب منك.

وقل هذه الكلمات الدرر الغالية في مناجاة ربك حيث لا يسمعك إلا هو: “فكم من نعمة أنعمت بها عليَّ قلَّ لك عندها شكري، وكم من بليةٍ ابتليتني بها قلَّ لك عندها صبري، فيا من قلَّ عند نعمته شكري فلم يحرمني، ويا من قلَّ عند بليته صبري فلم يخذلني، ويا من رآني على المعاصي فلم يفضحني.. أسألك أن تُصلي على محمدٍ وعلى آل محمد”.

ختام الآيات في القرآن الكريم هو آخر أثر تتركه الآية في النفس، وغالب الآيات إذا ختمت بصفة من صفات الله أو اسم من أسمائه- عز وجل- الحسنى أو ختمت باسمين منها كان لذلك أثره وكماله وجلاله. 

وفي سورة يوسف مثلاً: “الواحد القهار” هما الاسمان الجليلان المناسبان للموقف، ولانتفاع صاحبي السجن وحالتيهما، وفي موقف الأحداث نجد الاسمين الحسنين “اللطيف الخبير”، وقس على هذا كثيرًا.

والغريب إظهار جهل الكافرين لأنهم يكفرون بالرحمن وليس يكفرون بالمنتقم أو القهار أو الجبار ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60)﴾ (الفرقان) ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ﴾ (الرعد: من الآية30).

هذا تجاوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته فأين استجابتك أنت؟

تفاعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع كلمات القرآن ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)﴾ (الغاشية)، قل نعم قد جاءني، وتجاوب سيدنا عمر كما جاء في آخر سورة الحاقة: ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (42)﴾ (الحاقة)، وقوله تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ (النساء: من الآية 41)، أبكت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه عاش الكلمة في المشهد الواقعي.

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)﴾ (الفيل)، هو لم يحضر ولم ير، ولكنه سمع فقط ولكنه إيحاء لقارئ آيات الله أن ينظر بعيون القرآن إن صح التعبير.

أين أنت من الصحابة؟ وضمن مَن ذكرت؟ فقد ذُكِر الصديق ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ (33)﴾ (الزمر).. ابحث عن موقفٍ من المواقف المحمودة التي ذكرها القرآن وحاول تقليدها فإن التشبهَ بالصالحين فلاح.

إذا سمعت “والله يحب” فاجعل هذه الصفة تتحقق فيك لتكون ممن يحبهم الله، وإذا سمعت “والله لا يحب” فاحذر أن تكون فيك رائحة منها، كما قال العادل عمر لحذيفة بن اليمان رضي الله عنهما “أناشدك الله يا حذيفة اشممني أتجد فيَّ رائحة المنافقين؟”.