الديمقراطية تحمى الأمن القومى

- ‎فيمقالات

يُعرَّف الأمن القومى بأنه قدرة الدولة على تأمين قواها الداخلية والخارجية من أى مخاطر تتهددها؛ ما يضمن سلامة أراضيها ومؤسساتها القومية. أو هو: حرية الإرادة الوطنية والقرار السياسى وتأمين الخطط المستقبلية.

وللأمن القومى أبعادٌ اتفق عليها الباحثون هى البعد الداخلى المتعلق بتماسك الجبهة الوطنية والسلم الاجتماعى، والبعد الخارجى المتعلق بأطماع الدول الأخرى، فضلًا عن البعد الاقتصادى والعسكرى والثقافى، والتى لا يتسع المجال لتفصيلها.

ويتعرض الأمن القومى لعدد من التحديات أو التهديدات؛ منها الوجودى، وتهديد المصالح الإستراتيجية للدولة، ووجود اضطراب سياسى وعدم استقرار داخلى، والصعوبات الاقتصادية وغيرها.

ولم يعد خافيًا أو محلًا لمناقشة أن الديمقراطية بأدواتها المعاصرة ضامنة للأمن القومى للدول؛ حيث هناك ارتباط عضوى بينها وبينه، وبغيابها تختل أبعاد هذا الأمن، خصوصًا إن كانت الدولة عُرضة لعدد من التهديدات الأخرى التىأشرنا إليها.

تتيح الديمقراطية للدولة تحقيق التنمية الشاملة، والتطورعلى المستويات كافة، فى ظل رقابة سياسية، ومحاسبة وشفافية، وفى ظل عدم خضوع الدولة لمصالح فئة صغيرة شبيهة بالعصابة، وبما يضمن عدم تكدير السلم العام والهدوء المجتمعى.

إن غياب «المؤسساتية» يعصف بالدستور وبالقانون، ويساعد على تفشى الفساد، ولا يعطى القضايا القومية أهميتها اللائقة، وتمكين الديمقراطية يمنع كل ذلك، بل يضبط الصراعات، ويستوعب الجميع، ويحقق المطالب الشعبية المختلفة، إضافة بالطبع إلى تداول سلمى للسلطة، وتوزيع عادل للثروات.

فى النظم الديمقراطية تكون الشعوب راضية عن النخب الحاكمة؛ لأجل ذلك فهى طوع أمرها فى حال الشدائد والمحن، تشد أزرها، وتشاركها فى أمرها، ولا تبخل عليها بتضحية أو عطاء، والعكس صحيح فى النظم المستبدة، فإنها فى حال الشدة تقع بين فكى العدو المتربص والشقيق  الشامت، وما نبتت الشماتة إلا فى أرض الكراهية التى هيأتها هذه الأنظمة من قبل.

ولم يثبت إلى الآن أن نظامًا مستبدًّا واحدًا نجح فى حماية أمنه القومى بأبعاده المختلفة. وإذا كان البعض يضرب المثل بالصين، بنظامها الشمولى وفائقيتها الاقتصادية فى الوقت نفسه، فنؤكد أن مصيرها سيكون كمصير الاتحاد السوفييتى الذى تفكك فى مطلع التسعينيات بعد عقود من القوة الزائفة، ولا يخفى اليوم أن الصين، رغم حكمها الحديدى، تعانى نزعات انفصالية، وتغيرات اجتماعية حادة، ومناوشات حدودية لن تستوعبها طاقتها، مهما بلغت، وهو ما يفسر تواضع تطلعاتهاالعسكرية وطموحها التوسعى.

والنظم المستبدة لا تقف -بالطبع- مكتوفة أمام فشلها فىحماية أمنها القومى؛ فهى تستبدل هزيمتها بخطابات دعائية تحمل قدرًا كبيرًا من المبالغات و«العجرفة»، وتستدعى الشعارات الوطنية الحماسية التى تدغدغ بها مشاعر العامة لإنقاذ مركزها المتهاوى، وتستعين بالفنون الدرامية والفلكلور الشعبى لخلق حالة من النصر الزائف، وتوجه أنصارها ومن تقوم باستئجارهم للاشتباك مع «عدو افتراضى» تكون قد أعدته من قبل؛ لصرف النظر عن القضية الأساس.

ليس لدى الأنظمة المستبدة ما تقدمه لقضاياها القوميةبعدما استنفدت قواها فى مواجهة خصومها السياسيين، فضلًا عن أن هذه القضايا ليست ذات أولوية مقابل قضية بقائها فى السلطة، وأيضًا لـ«قلة قيمتها» أمام العالم الخارجى الذى اتهمها مرات ومرات بانتهاك حقوق الإنسان؛ من أجل ذلك فهى سرعان ما تقبل الإملاءات الخارجية والرضا بأى حل يسكِّن القضية.