الأمم المتحدة تضبط مرتزقة الإمارات في ليبيا.. متى يتوقف إفساد أبوظبي؟

- ‎فيتقارير

تزامنًا مع الهزائم المتتالية لقوات حفتر، كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن فرار فريق «كوماندوس» مكون من 20 فردًا من مرتزقة أجانب من ليبيا إلى جزيرة مالطا، بعد فشلهم في مهمة مولتها الإمارات بـ80 مليون دولار لدعم حفتر، استهدفت خطوط الإمداد التركية إلى حكومة الوفاق بالبحر المتوسط.

صحيفة NEW York Times الأمريكية ألقت الضوء في تقريرها، الذي جاء بعنوان: "المرتزقة يتدفّقون على ليبيا بحرا وجوا لكن الخطة لم تسِر على النحو المطلوب"، على أسباب فشل هجوم حفتر على طرابلس، رغم الدعم المقدم له من جانب دول إقليمية وقوى دولية، واستقدام مرتزقة من شتى دول العالم للقتال بجانبه، مؤكدة أن "مهمة المرتزقة انتهت قبل أن تبدأ."

الصحيفة الأمريكية تحدثت عن دور إماراتي في تنظيم «المهمة الفاشلة»، من خلال شركة يديرها رجل الأعمال الأسترالي كريستيان دورانت، والذي تربطه علاقات قوية مع مؤسس شركة «بلاكووتر» إريك برينس، لافتة إلى أن الأخير من أبرز المستثمرين الدوليين بالمرتزقة، ويقود مجموعات المرتزقة التي تعمل في ليبيا من كل أنحاء العالم بقيادة هذه الشخصية الأسترالية التي تمولها الامارات.

صحيفة «نيويورك تايمز» قالت، الاثنين، في حديثها عن الدور الإماراتي في «العملية الفاشلة»، التي نفذها المرتزقة والداعمون للواء المتقاعد «خليفة حفتر» في ليبيا، إن «المهمة التي لم تعمر طويلا» وتورطت فيها شركات أمنية تتخذ من الإمارات مقرا لها.

وكشفت الصحيفة عن أن فريق المرتزقة المكون من 20 مرتزقا كان يقوده الضابط السابق بسلاح الجو بجنوب إفريقيا، ستيف لودج، أما بقية الفريق فهم أيضا من الجنود السابقين؛ 11 من جنوب إفريقيا، و5 من بريطانيا، بالإضافة إلى أستراليين وأمريكي واحد وجنديين سابقين في البحرية البريطانية، وقد وصلوا من نقطة الانطلاق في الأردن، وكانوا يزعمون أن مهمتهم هي "حراسة المنشآت النفطية الليبية".

ولكن الصحيفة ذكرت أن تحقيق الأمم المتحدة أكد أنهم "جاءوا من أجل القتال إلى جانب حفتر، مقابل 80 مليون دولار"، وأن "مهمتهم فشلت قبل أن تبدأ، ما دفعهم للبحث عن قواربهم للهروب والنجاة".

واعتبرت أن «المهمة الفاشلة» تقدم صورة عن القوى الأجنبية في المشهد الليبي، وكيف أصبحت ليبيا ساحة مربحة للمهربين وتجار السلاح والمرتزقة وغيرهم من تجار الحروب، الذين يتجاهلون الحظر الدولي بشأن تصدير السلاح.

تفاصيل مهمة المرتزقة في ليبيا

بحسب تحقيق الأمم المتحدة، بيّنت الصحيفة أن المرتزقة الذين تسلّلوا إلى ميناء بنغازي الليبي في قلب الحرب، الصيف الماضي، زعموا أنّهم جاءوا لحماية مرافق النفط والغاز، لكن محقّقي الأمم المتحدة اكتشفوا لاحقا أنّ مهمتهم كانت تنطوي على القتال إلى جانب قوات القائد الليبي خليفة حفتر خلال هجومه الشامل على العاصمة طرابلس، والذي من المفترض أن يُدفع لهم 80 مليون دولار مقابله.

وأن "المهمة استهدفت منع وصول المساعدات العسكرية التركية عبر البحر إلى حكومة الوفاق"، و"هدفت إلى بناء قوة هجوم بحرية تركز على استخدام القوارب السريعة والمروحيات الهجومية، لمداهمة وتفتيش أي سفينة تجارية".

وذكرت «نيويورك تايمز» أن محققي الأمم المتحدة يعتقدون أن المهمة كانت أوسع، وتهدف إلى بناء كوماندوس يقوم بتفتيش وتدمير أهداف تحارب حفتر، مشددة على أنه رغم سرية العملية إلا أنها خلفت وراءها سلسلة من الأدلة، بدءا من الصور التي نشرتها «بوتسوانا غازيت» عن مروحيات من نوع سوبر بوما، وهي محملة على شاحنات ونقلت عبر الطريق السريع.

حيث تم تحميل المروحيات في طائرات شحن واحد تملكها شركة "سكاي إيفيا ترانس"، وهي شركة أوكرانية أخذت شعارها من طائرات سي آي إيه في أثناء الحرب الفيتنامية، منوهة إلى أن اسم الشركة ورد في تقرير للأمم المتحدة العام الماضي لنقلها أسلحة إلى ليبيا.

وتشير وثائق الرحلات إلى أن وجهة الطائرات هي الأردن، لكنها هبطت في مطار بنغازي، معقل حفتر في شرق ليبيا، وتم استئجار قاربين سريعين مطاطين مثل تلك التي تستخدمها القوات الخاصة من جيمس فينتش، وهو تاجر سلاح في مالطة.

ووقّع لودج، قائد المجموعة، صفقات الأسلحة، لكن الجهة التي اتصلت به مولتها شركات مقرها في دبي، ومن هذه الشركات "لانك ستر6"، وهي جزء من شركات بنفس الاسم في مالطة والإمارات، و"بريتش فيرجين أيلاندز".

أما الثانية فهي "أوبس كابيتال أسيت" وتديرها "أماندا كيت بيري"، وهي سيدة أعمال اعتبرتها مجلة محلية واحدة من رائدات عام 2019، وقد رفضت بيري التعليق، ولكن المتحدث باسم "دورانت" زعم أن ما ورد في تقرير الأمم المتحدة بأنه «لا يستند على الحقيقة ومضلل».

ورغم غلاف السرية خلّفت العملية وراءها سلسلةً طويلة من الأدلة، بدءا من الصور المنشورة على الإنترنت بواسطة صحيفة The Botswana Gazette البوتسوانية لثلاث مروحيات "سوبر بوما" مُحمّلة فوق الشاحنات التي تنقلها على الطريق السريع.

وحُمِّلت المروحيات إلى طائرات الشحن التي تعود ملكية إحداها إلى شركة SkyAviaTrans الأوكرانية التي استعارت شعارها من شركة طيران تعود إلى وكالة الاستخبارات المركزية في حقبة حرب فيتنام، وهو "أيّ شيء، في أيّ وقت، وأيّ مكان، بكل احترافية"، وورد اسم شركة الطيران في تقرير الأمم المتحدة العام الماضي حول نقل المعدات العسكرية إلى ليبيا.

ونصّت وثائق الرحلة الجوية على أنّ الأردن هي وجهة الطائرات، لكنّها حطّت في مطار بنغازي بالقرب من المقر الرئيسي لحفتر في شرقي ليبيا، وكانت الزوارق السريعة المطاطية صلبة الهيكل، من النوع الذي تستخدمه القوات الخاصة عادةً، مستأجرةً من تاجر الأسلحة المالطي المُرخّص جيمس فينيش.

لماذا اختلف حفتر مع المرتزقة؟

وبيّنت الصحيفة الأمريكية أن حفتر اختلف مع المرتزقة، وأنه غضب عندما اكتشف أن الفريق حضر مع مروحيات قديمة مُتهالكة، وليس كما وعد، طائرات كوبرا ولاسا تي بيردز المتقدمة.

وأردفت: "لعدم قدرة الفريق على الاتفاق مع حفتر، فقد ركبوا القاربين باتجاه مالطة، وفي الطريق أصاب أحد القاربين عطلٌ فاضطروا لتركه وركبوا جميعا في قارب واحد، وبعد أسابيع تم العثور على القارب قرب الشواطئ الليبية والتقطت الوسائل الإعلامية المحلية صورا ونشرتها".

وفي الثاني من يوليو 2019، وبعد أربعة أيامٍ فقط من وصول المرتزقة لليبيا، هرع المرتزقة إلى زوارقهم السريعة وانطلقوا إلى عرض البحر باتجاه بر الأمان في مالطا.

مرتزقة من كل لون

ونقلت الصحيفة الأمريكية عن "ولفرام لاشر" خبير الشئون الليبية في مؤسسة German Institute for International and Security Affairs البحثية، أنّ "ليبيا مُستباحةٌ للجميع، حيث يجلب الجميع المزيد من مُختلف أنواع الأسلحة والمقاتلين إلى داخل ليبيا دون رادع، مع وجود السوريين على جبهتي القتال".

ومنذ الهجوم الأول عام 2014، حصل حفتر على دعم مجموعةٍ من القوات الأجنبية، فخلال العام الماضي، شحذ جيش مجموعة فاغنر الخاص المدعوم من الكرملين هجومه الواهن على طرابلس، لكن تركيا انضمت إلى المعركة دعما لحكومة الوفاق المعترف بها دوليا في طرابلس في يناير، وأدخلت حملة حفتر في حالةٍ من الفوضى.

كما أفادت وكالة Reuters البريطانية بأنّ كتيبةً كبيرة من المقاتلين الروس انسحبت بأسلحتها من الخطوط الأمامية جنوب العاصمة خلال نهاية الأسبوع، ونُقِلت جوا على متن ثلاث طائرات إلى واحدٍ من معاقل حفتر، وسوف يُحدّد الرعاة الأجانب النافذون خطوة حفتر التالية على الأرجح.

وقال شون ماكفيت، المقاول العسكري الخاص السابق والزميل البارز في مؤسسة Atlantic Council  البحثية: "تُمثّل ليبيا دراسة حالة لشخصية الحرب المُتغيّرة، إذ ننظر للحرب عادةً على أنّها عمليةٌ سياسية، لكنّها أثبتت كونها تجاريةً أيضاً في ليبيا، إذ تجد أولئك المحاربين من أجل المال في كل مكانٍ هناك ومن مختلف الجنسيات، يشنّون نوعية الحروب التي تحدّث عنها مكيافيلي في القرن الـ 16".

وكانت وكالة Bloomberg الأمريكية هي أول من نقلت أنباء تحقيق الأمم المتحدة، قبل أن يُطلِع ثلاثة من المسئولين المُطّلعين على التحقيق صحيفة New York Times على محتوياته ويُقدّموا نسخا من وثائقه، لكنّ أولئك المسئولين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم؛ لأنّهم غير مُخوّلين بالتحدّث إلى وسائل الإعلام.

ويختم التقرير بأن بعض الأنظمة التي لا تزال لها اليد العليا في مقدرات المنطقة، قد حولوها إلى مغنم لما تبقى من مرتزقة في الدنيا، وبدلا من إدارة الأزمة من خلال الدبلوماسية، وتوجيه الموارد للتعليم والصحة مثلا، باتوا ينُصب عليهم من حثالة البشرية، ويبدو مع إصرارهم على هذا المسار الذي جاء بعض منه في هذا الملخص، أنهم غير متضررين من اللزق على قفاهم.