استثمارات مصرية على الورق

- ‎فيمقالات

في الوقت الذي تعاني فيه الأسواق المصرية من الركود والتداعيات السلبية لفيروس كورونا على غالبية الأنشطة الاقتصادية، ومعاناة غالبية الشركات من نقص السيولة للوفاء بشراء مستلزمات الإنتاج ودفع الأجور، تتوقع وزارة التخطيط المصرية بلوغ قيمة الاستثمارات العامة والخاصة خلال العام المالي الحالي (2020/2021)، والذي بدأ مطلع الشهر الحالي، نحو 740 مليار جنيه!

وتوزعت تلك الاستثمارات المتوقعة ما بين 595.5 مليار جنيه استثمارات عامة و144.5 مليار جنيه استثمارات خاصة، أي بنسبة 80.5 في المئة للاستثمارات من قبل الجهات الحكومية المختلفة من شركات وهيئات ووزارات، ونسبة 19.5 في المئة للاستثمارات من قبل القطاع الخاص الذي يقوم بتشغيل غالبية العمالة، ويستحوذ على النصيب الأكبر من الصادرات السلعية والخدمية.

وتأخذ الاستثمارات العامة المتوقعة أربعة أشكال، هي: الأول استثمارات الجهاز الحكومي بمعناه الضيق، المتمثل في الوزارات ودواوين عموم المحافظات والهيئات الخدمية الحكومية غير الهادفة للربح، والشكل الثاني يتمثل في الهيئات الاقتصادية التي تتبع الحكومة وتهدف للربح، لكن عددا كبيرا منها يعاني من الخسائر المزمنة.

والشكل الثالث يتمثل في الشركات الحكومية، سواء التابعة للقطاع العام أو لقطاع الأعمال العام أو الشركات القابضة التابعة للوزارات. والشكل الرابع ورد تحت مسمى استثمارات مركزية أخرى دون أي تفسير، مما يدفع للاعتقاد بأنه يعني استثمارات الجهات السيادية خاصة الجهات التابعة للجيش، لكن قانون الخطة رقم 84 لسنة 2020 الصادر في 30 يونيو لم يوضح شيئا عن مدلول اللفظ.

استثمارات حكومية لم تتحقق خلال سبع سنوات

وكان الشكل الأول المتمثل في استثمارات الجهاز الحكومى بمعناه الضيق هو الأكبر من حيث قيمة الاستثمارت المتوقعة، بقيمة 281 مليار جنيه، موزعة ما بين: 131 مليار جنيه للاستثمارات المتوقعة للهيئات الخدمية، و128 مليار جنيه لاستثمارات الجهاز الإدارى المتمثل في الوزارات الأربع والثلاثين، و22 مليار جنيه لدواوين عموم المحافظات السبع والعشرين.

إلا أنه لا يتوقع تحقق تلك الاستثمارات لعدة أسباب، منها أن تلك الاستثمارات تخص أحد أبواب مصروفات موازنة العام الحكومة في العام المالي الحالي، وقد أقر وزير المالية بأن تلك الموازنة قد تم إعدادها منذ شهر نوفمبر من العام الماضي وحتى شهر كانون الثاني/ يناير من العام الحالي، أي قبل تفشي فيروس كورونا بتداعياته السلبية المحلية والإقليمية والدولية.

أي أن الأرقام استندت إلى تقديرات مبالغ فيها لإيرادات الموازنة تساعد لتحقيق تلك الاستثمارات، وهو أمر لن يتحقق بفعل تراجع الحصيلة الضريبية منذ مارس الماضي، والتي تمثل غالب إيرادات الموازنة، باعتراف وزير المالية، مع توقف بعض الأنشطة وتباطؤ أنشطة أخرى وتأخير سداد المستحقات الضريبية.

سبب آخر وهو اعتماد تمويل تلك الاستثمارات الحكومية في الجزء الأكبر منها على الخزانة العامة ثم اقتراض الباقي، ونظرا لتوقع تفاقم العجز في الموازنة، فإن صانع القرار المالي لديه أولويات تتمثل في سداد أقساط وفوائد الديون المحلية والخارجية، ثم أجور العاملين في الجهاز الحكومي للحفاظ على السلام الاجتماعي، ثم دعم السلع التموينية ورغيف الخبز ونفقات القوات المسلحة والداخلية، لتأتي الاستثمارات في ذيل قائمة الأولويات.

وكانت النتيجة أنه لم يحدث منذ تولي الجيش السلطة في يوليو 2013 وحتى العام المالي الأخير، أي خلال سبع سنوات مالية متتالية، أن تحقق رقم الاستثمارات الحكومية الوارد في البيان المالي للموازنة، والذي يصدر قبل بدء العام المالي، بل إنه من الغريب أنه في العام المالي الأول لتولي الجيش (2013/2014) كان رقم الاستثمارات الحكومية الوارد بالبيان المالي للموازنة 63.7 مليار جنيه، ثم أعلنت الحكومة عن حزمة تحفيز خلال العام المالي بقيمة 31.8 مليار جنيه، ليصل إجمالي الاسثمارات الحكومية 95.4 مليار جنيه. وظل مسؤولو الحكومة يشيدون بزيادة الاستثمارات في تصريحاتهم الحكومية طول العام المالي، وعندما صدر الحساب الختامي للعام المالي تبين بلوغ قيمة الاستثمارات الحكومية 52.9 مليار جنيه فقط، أي أقل من الاعتماد الأصلي الوارد في البيان المالي للموازنة، وعدم تحقق شيء من حزمة التحفيز.

البنك الممول للاستثمارات غير مساره

والشكل الثاني للاستثمارات العامة تمثل في الهيئات الاقتصادية بقيمة مستهدفة 74.8 مليار جنيه، بزيادة حوالي 2,5 مليار جنيه عن العام المالي السابق. ونظرا لتعدد الهيئات الخاسرة، مثل هيئة السكة الحديد والهيئة الوطنية للإعلام وغيرها، وزيادة أعباء الأجور وتدبير مستلزمات الإنتاج والتمويل بتلك الهيئات، والقروض الضخمة لبنك الاستثمار القومي، فمن الصعب أن يتحقق هذا الرقم من الاسثمارات؛ لأن الهدف الرئيسي يتمثل في الوفاء بالتزامات تلك الهيئات للغير، سواء من الموردين أو للجهات الحكومية، كالضرائب والتأمينات والكهرباء والطاقة والمياه.

ويتشابه الأمر داخل الشكل الثالث للاستثمارات العامة والمتمثل في شركات القطاع العام المتمثلة في البنوك العامة وغيرها، والشركات التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام والتي تعانى كثيرا منها من الخسائر المزمنة، مثل قطاع الغزل والنسيج، والشركات القابضة التابعة للوزارات والتي تم توقع قيامها جميعا باستثمارات بقيمة 90 مليار جنيه.

وقد تم تكليف البنوك الحكومية بإنشاء وعاء إدخاري بفائدة 15 في المئة، بما يزيد عن متوسط سعر فائدة الودائع في البنوك، مما يزيد من المصروفات. كما تحتاج شركات قطاع الأعمال العام إلى ضمانة من وزارة المالية للاقتراض من البنوك. وكذلك أعلن وزير قطاع الأعمال العام عن اتجاهه لدمج العديد من الشركات التابعة في عدد أقل من الشركات، وهي مسألة تحتاج لبعض الوقت قبل الشروع في استثمارات جيدة. أما ما تردد عن استثمارات جديدة بشركة النصر للسيارات بإنتاج سيارات جديدة فقد سبق تداول مثل تلك الأخبار أكثر من مرة خلال السنوات الأخيرة، دون تنفيذ عملي.

وكان قانون الخطة قد أشار إلى أن الجهة المنوط بها تمويل استثمارات الجهات العامة (فيما عدا الحكومية منها) هو بنك الاستثمار القومي، وهو بنك حكومي تم إنشاؤه منذ عام 1980 لهذا الغرض، إلا أنه تم دفع البنك إجباريا لتوجيه جانب من توظيفاته إلى الاستثمار القصير الأجل المتمثل في شراء أذون الخزانة، وبعد أن كانت مشترياته منها لا شىء بنهاية عام 2014، وصلت مشترياته منها بنهاية آذار/ مارس الماضي 333 مليار جنيه.

ويبقى الشكل الرابع للاستثمارات العامة والمسمى استثمارات أخرى مركزية، والمستهدف بلوغها 150 مليار جنيه، وهي نفس مستهدفات العام المالي الماضي. وهذا الشكل لم يرد في تفاصيل خطة الاستثمارات التي تصدرها وزارة التخطيط سوى في العام المالي 2018/2019 بنحو مئة مليار جنيه، أي أن مجموع أرقامها خلال السنوات المالية الثلاث الأخيرة 400 مليار جنيه.

ولو كان مقصودا بهذا القسم استثمارات مشروعات الجيش، فإن ما يصدر عن قيادات الجيش خلال احتفالات افتتاح المشروعات التي يقومون بها أضعاف ذلك، كما أن بدء ممارسة نشاط الجيش كان منذ العام الأول لتولي الجنرال منذ ست سنوات، وليس من 2018/2019 عندما ورد الرقم ببيانات وزارة التخطيط، إذا كان كان هذا هو المقصود ضمن بيانات الوزارة.

97 في المئة من القروض لشراء مسلزمات الإنتاج

وتبقى استثمارات القطاع الخاص التي توقعت وزارة التخطيط لها 144.5 مليار جنيه، وهو رقم صعب التحقق في ظل معطيات كثيرة؛ أبرزها ما جاء من قبل البنك المركزي عن اقتراض 4291 عميلا من البنوك ضمن مبادرة تمويل القطاع الخاص الصناعي والزراعي والمقاولات، بفائدة أقل من سعر الفائدة في البنوك، خلال حوالي سبعة أشهر تمثل عمر المبادرة، حيث أشارت البيانات إلى توجه مبلغ 2.3 مليار جنيه فقط لتمويل الآلات والمعدات وخطوط الإنتاج الجديدة، بنسبة 3 في المئة من إجمالي القروض، بينما توجهت نسبة 96.6 في المئة لشراء خامات ومستلزمات إنتاج.

كذلك شكوى جمعيات المستثمرين من سحب هيئة التنمية الصناعية الأراضي من المستثمرين لعدم الالتزام بتوقيتات بناء المصانع، بينما ذكر المستثمرون أن المرافق المكلفة وزارة الإسكان بتوصيلها إليهم لم تصل، وكانت السبب في عدم استطاعتهم الوفاء بمواعيد إنشاء المصانع.

أيضا ارتفاع تكلفة التمويل، وحالة الكساد المستمرة حسب مؤشر مديري المشتريات منذ يوليو من العام الماضي وحتى حزيران/ يونيو من العام الحالي، مما أدى لتسجيل أعلى مستوى لفقدان الوظائف بالشركات خلال أربع سنوات، وصعوبات التسويق المحلي والخارجي، وتراجع عدد الشركات الجديدة التي تم تأسيسها من قبل هيئة الاستثمار، في مارس بنسبة 25 في المئة بالمقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، وبنسبة 87 في المئة خلال شهر نيسان/ أبريل.

والمعروف أن التقديرات التي تضعها وزارة التخطيط لاستثمار القطاع الخاص لا تتم بالتنسيق معه، مثلما كان يحدث بوزارة التخطيط أواخر عهد الرئيس مبارك في إطار ما يسمى التخطيط بالمشاركة، وبالتالي لا تلقى بيانات الوزارة عن حجم استثمارات القطاع الخاص قبولا من قبل منظمات الأعمال الخاصة.

وإذا كانت بيانات وزارة التخطيط نفسها قد أشارت إلى تحقق توقعاتها لاستثمارات القطاع الخاص خلال العام المالي 2016/2017 بنسبة 73 في المئة فقط وفي العام المالي التالي بنسبة 70 في المئة، وهما العامان الماليان اللذان من المفترض أن يكونا قد شهدا ثمار تحرير سعر الصرف على التصدير والسياحة والاستثمار، ما بالنا بنسب توقع تحقق ما استهدفته وزارة التخطيط لاستثمارات القطاع الخاص والبالغة 144.5 مليار جنيه، مع توقع عزوف الاستثمار الأجنبي المباشر عن المجيء، وفي وقت يعاني فيه القطاع الخاص من العديد من المشاكل حتى أنه يعتبر الهدف الأكبر له حاليا هو استمرار التواجد في السوق، أما هدف التوسع والاستثمار فإنه أمر مستبعد حتى تنتهي الآثار السلبية لفيروس كورونا.
——-
نقلاً عن "عربي21"